كأنكم المعزى تهاوين عندما ... نزا فنزا فوق الدحال عتودها
وما ثلة قد أهملتها رعاتها ... بمأسدة جاعت لعشر أسودها
فباتت ولا راع يراعي مراحها ... فرائس بين الضاريات تبيدها
بأضيع منكم حيث لا ذو شهامة ... يذب الرزايا عنكم ويذودها
أتطمع هذي الناس أن تبلغ المنى ... ولم تور في يوم الصدام زنزدها
فهل لمعت في الجو شعلة بارق ... وما ارتجست بين الغيوم رعودها
وأدخنة النيران لولا اشتعالها ... لما تم في هذا الفضاء صعودها
وإن مياه الأرض تعذب ما جرت ... ويفسدها فرق الصعيد رقودها
ومن رام في سوق المعالي تجارة ... فليس سوى بيض المساعي نقودها
وله أيضاً:
تيقظ فما أنت بالخالد ... ولا حادث الدهر بالراقد
فخلد بسعيك مجداً يدوم ... دوام النجوم بلا جاحد
وابق لك الذكر بالصالحات ... وخل النزوع إلى الفاسد
ورد ما يناديك عنه الصدود ... ألا در درك من وارد
وصر بين قومك في سيرة ... تميت الحقود من الحاقد
فإن فتى الدهر من يدعي ... فتأتي أعاديه بالشاهد
ولا تك مرمى بداء السكون ... فتصبح كالحجر الجامد
وكن رجلاً في العلا حوَّلاً ... تفنن في سيرة الراشد
إذا اضطردت حركات الحياة ... ومرت على نسق واحد
ولم تتنوع أفانينها ... ودامت بوجه لها بارد
ولم تتجدد لها شملة ... من السعي في الشرف الخالد
فما هي إلا حياة السوام ... تجول من العيش في نافد
وما يرتجى من حياة امرئ ... كماء على سبخة راكد
وليس له في غضون الحياة ... سوى النفس النازل الصاعد
يغض على الجهل أجفانه ... ويرضى من العيش بالكاسد
فذاك هو الميت في قومه ... وإن كان في المجلس الحاشد
وما المرء إلا فتى يغتدي ... إلى العلم في شرك صائد
سعى للمعارف فاحتازها ... وصاد الأنيس مع الآبد
وطالع أوجه أقمارها ... بعين بصير لها ناقد
فأبدى الحقائق من طيها ... وألقى القيود على الشارد
إذا هو أصبح نادى البدار ... وشمر للسعي عن ساعد
فكان المجلي في شأوه ... بعزم يشق على الحاسد
وإن بات بات على يقظة ... بطرف لنجم العلى راصد
وأحدث مجداً طريفاً له ... واضرب عن مجده التالد
وما الحمق إلا هو الإتكال ... على شرف جاء من والد
فذاك هو الحي حي الفخار ... وإن لحدته يد اللاحد
ومن قوله أيضاً:
الشعر مفتقر مني لمبتكر ... ولست للشعر في حال بمفتقر
دعوت غر القوافي وهي شاردة ... فأقبلت وفي تمشي مشي معتذر
وسلمتني عن طوع مقادتها ... فرحت فيهن أجري جري مقتدر
إذا أقمت أقامت وهي من خدمي ... وأين ما سرت سارت تقتفي أثري
صرفت فيهن اقلامي وحت بها ... أعرِّف الناس سحر السمع والبصر
ملكن من رقة رق النفوس هوى ... من حيث أطربن حتى قاسي الحجر
سقيتهن المعاني فارتوين بها ... وكن فيها مكان الماء في الثمر
كم تشرئب لها الأسماع مصغية ... إذا تنوشدن بين البدو والحضر
طابقت لفظي بالمعنى فطابقه ... خلواً من الحشو مملوءاً من العبر
إني لانتزاع المعنى الصحيح على ... عري فأكسوه لفظاً قد من درر
سل المنازل عني إذ نزلت بها ... ما بين بغداد والشهباء في سفري
ما جئت منزلة إلا بنيت بها ... بيتاً من الشعر لا بيتاً من الشَّعر
وأجود الشعر ما يكسوه قائله ... بوشي ذا العصر لا الخالي من العصر
لا يحسن الشعر إلا وهو مبتكر ... وأي حسن لشعر غير مبتكر
ومن يكن قال شعراً عن مفاخرة ... فلست والله في شعر بمفتخر
وإنما هي أنفاس مصعدة ... ترمي بها حسراتي طائر الشرر
وهن إن شئت مني أدمع غزر ... أبكي بهن على أيامنا الغرر
أبكي على أمة دار الزمان لها ... قبلاً ودار عليها بعد بالغير
كم خلد الدهر من أيامهم خبراً ... زان الطروس وليس الخبر كالخبر