بلى الله حساد الأمير بحلمه ... وأجلسه منهم مكان العمائم
فإن لهم في سرعة الموت راحة ... وإن لهم منهم في العيش حز الغلاصم
كأنك ما جاودت من بان جوده ... عليك ولا قاتلت من لم تقاوم
وقال يرثى أبا شجاع فاتك الأخشيدي الملقب بالمجنون:
الحزن يقلق والتجميل يردع ... والدمع بينهما عصي طيع
يتنازعان دموع عين مسهد ... هذا يجيء بها وهذا يرجع
النوم بعد أبي شجاع نافر ... والليل معي والكواكب ظلع
إني لأجبن من فراق أحبتي ... وتحس نفسي بالحمام فأشجع
ويزيدني غضب الأعادي قسوة ... ويلم بي عتب الصديق فأجزع
تصفو الحياة لجاهل أو غافل ... عما مضى منها وما يتوقع
ولمن يغالط في الحقائق نفسه ... ويسومها طلب المحال فتطمع
أين الذي الهرمان من بينانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع؟
تتخلف الآثار عن أصحابها ... حيناً ويدركها الفناء فتتبع
لم يرض قلب أبي شجاع مبلغ ... قبل الممات ولم يسعه موضع
كنا نظن دياره مملوءة ... ذهباً فمات وكل دار بلقع
وإذا المكارم والصوارم والقنا ... وبنات أعوج كل شيء يجمع
المجد أخسر والمكارم صفقة ... من أن يعيش لها الكريم الأروع
والناس أنزل في زمانك منزلاً ... من أن تقايسهم وقدرك أرفع
برد حشاي إن استطعت بلفظة ... فلقد تضر إذا تشاء وتنفع
ما كان منك إلى خليل قباها ... ما يستراب به ولا ما يوجع
ولقد أراك وما تلم ملمة ... إلا نفاها عنك قلب أصمع
ويد يبدل كل يوم حلة ... أني رضيت بحلة لا تنزع
ما زلت تخلعها على من شاءها ... حتى لبست اليوم ما لا تخلع
ما زلت تدفع كل أمر فادح ... حتى أتى الأمر الذي لا يدفع
فظللت تنظر لارماحك شرع ... فيما عراك ولا سيوفك قطع
بأبي الوحيد وجيشه متكاثف ... يبكي ومن شر السلاح الأدمع
وإذا حصلت من السلاح على البكا ... فحشاك رعت به وخدك تقرع
وصلت إليك يد ساء عندها ال ... بازي الأشهيب والغراب الأبقع
من المحافل والجحافل والقرى؟ ... فقدت بفقدك نيراً لا يطلع
ومن اتخذت على الضيوف خليفةً ... ضاعوا ومثلك لايكاد يضيع
قبحاً لوجهك يا زمان فإنه ... وجه له من كل قبح برقع
أيموت مثل ابي شجاع فاتك ... ويعيش حاسده الخصي الأوكع؟
أيد مقطعة حوالي رأسه ... وقفاً يصيح بها ألا من يصفح؟
أبقيت أكذب كاذب أبقيته ... وأخذت أصدق من يقول ويسمع
وتركت أنتن ريحة مذمومة ... وسلبت أطيب ريحة تتضوع
فاليوم قر لكل وحش نافر ... دمه وكان كأنه يتطلع
وتصالحت ثمر السياط وخيله ... وأوت إليها سوقها والأذرع
وعفا الطراد فلا سنان راعف ... فوق القناة ولا حسام يلمع
ولى وكل مخالم ومنادم ... بعد اللزوم مشيع ومودع
قد كان فيه لكل قوم ملجأ ... ولسيفه في كل قوم مرتع
أن حل في روم ففيها قيصر ... أو حل في عرب ففيها تبع
قد كان أسرع فارس في طعنة ... فرساً ولكن المنية أسرع
لا قلبت أيدي الفوارس بعده ... رمحاً ولا حملت جواداً أربع
أبيات متفرقة
أبيات أديبة ألحقتها بعد تمام هذا المجلد ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان لما ذكر (جبل أروند) المطل على مدينة همذان، قال: وأهل همذان كثيراً ما يذكرونه في أحاديثهم وأسجاعهم وأشعارهم ويعدونه من أجل مفاخر بلدهم، وكثيراً ما يتشوقون إليه في الغربة وعلى سائر البلاد يفضلونه وفيه يقول عين القضاة عبد الله بن محمد الميانجي في رسالة كتبها إلى أهل همذان وهو محبوس:
ألا ليت شعري هل ترى العين مرةً ... ذرى قلتي أروند من همذان
بلاد بها نيطت علي تمائمي ... وأرضعت من عقانها بلبان
وقال ياقوت: العقان بقية اللبن في الضرع. وقال شاعر من أهل همذان:
تذكرت من أروند طيب نسيمه ... فقلت لقلب بالفراق سليم
سقى الله أرونداً وروض شعابه ... ومن حله من ظاعن ومقيم