بسند منقطع قَوْلَ عائشة - رضي الله عنها -: " إنّما أريدُ أَنْ يَحْجِزَ بين النَّاسِ مكاني، قالت: ولم أحسبْ أَنْ يكونَ بين النَّاسِ قِتَال، ولو عَلِمْتُ ذلك لم أقِفْ ذلك الموقف أبداً "(١).
فقد كانت تعتقد أن مكانتها تكون حاجزاً بين النَّاس من الاختلاف، فهي أحقُّ بأن يُسْتَحْيا منها، فلها عليهم ما لأمَّهاتهم مِن حقّ، فعذرها - رضي الله عنها - أنَّها تُرِيدُ الإصلاحَ ابتغاء مرضاة الله تعالى، وكانت متأوِّلةً لقوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١١٤)} [النِّساء].
وأمّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - كانت أهلاً للاجتهاد، فهي أَفْقَه النِّساء الصَّحابيَّات قاطبة، ولا يختلف في علمها اثنان ولا يجحده إلّا ذو شنآن، يرى الشَّمس ساطعة فَيَعْشَى منها ناظره.
ولم يَشَأ اللهُ تعالى أَنْ يَقَعَ صُلْحٌ، فكان ما كان، ورجعت إلى المدينة - رضي الله عنها - نَادِمةً، فهي مأجورة فيما تأوَّلت؛ فكلُّ مجتهدٍ في الأحكام أهلٌ للاجتهاد مُصِيْبٌ الأجر.
وإذا كان خروجها صواباً كان صواباً مأجوراً، وإذا كان خطأ كان خطأ مغفوراً؛ لأنّ الخطأ في اجتهاد الكفء معفوٌّ عنه، بل له أجر.
ثمّ إنَّها ندمت وآبت وانتهت، وقد قال - جل جلاله -: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ (٣٨)} [الأنفال] فإذا كان هذا للكفَّار أفلا يكون لأمِّ المؤمنين - رضي الله عنها - أمّ الأبرار؟!