للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعها: منهم مَنْ سعى للإصلاح وجمع الكلمة، بعد أن تَشَظَّى القَوم، وكشفت الفتنة قناعها، ويمثِّلهم أمُّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، وَمَحْرَمُهَا ابن أختها عبدالله - رضي الله عنه - واثنان مِنَ المشهود لهم بالجنَّة، وهما: طلحة، والزّبير - رضي الله عنهما -.

فلمَّا قُتِلَ عثمان - رضي الله عنه -، وبويع عليٌّ - رضي الله عنه - بالخلافة، سار طلحة والزُّبير - رضي الله عنهما - لمكَّة، فوجدا أمَّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، وقد حجَّت، فاستقرَّ رأيهم على الذَّهاب إلى البصرة، للإصلاح ووأد الفتنة (١) الّتي نشأت عن قتل عثمان - رضي الله عنه - قبل أن تصير ناراً تلظَّى وأواراً تشظَّى. واختاروا البصرة لأنَّ شطراً مِنْ أهلها كان يرى ضرورة التَّعجيل في قَتْلِ قَتَلَة عثمان خلافاً لما كان يراه عليٌّ - رضي الله عنه -.

فخرجوا لإصلاح ذات البين، وكانوا يرجون الاستحياءَ من أمِّ المؤمنين إذا رآها النَّاسُ، ولم يخرجوا لِدُنيا يصيبونها كما احتجَّ به الزَّاعمون، فهم أَتْقى لله تعالى مِن أنْ يخرجوا في سَفَرٍ لا يرضاه اللهُ تعالى، وما علَّقوا به همَّتهم من الرَّغبة في الآخرة المقبلة أجلُّ وأَعْظَمُ من جَمْعِ حطام ومَتَاعِ الدُّنيا المدبرة، كيف وهم يقرأون قول الله تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦)} [الشُّورى].

فقد تأوَّلت عائشة - رضي الله عنها - أنَّها أمُّ المؤمنين، وحيث قصدت نزلت في أهلها وولدها، وأنَّ لها في القُلوبِ مكانةً تُصْلِحُ بها بين النَّاسِ، فهي أمُّهم بكتاب الله تعالى {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ (٦)} [الأحزاب]، أخرج عبد الرَّزاق في المصنّف


(١) انظر كتابنا "وأد الفتنة" دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفّين على منهج المحدِّثين.

<<  <   >  >>