فمَوَاقِف أَهْلِ الأمصار تباينت من مقتل الخليفة عثمان إلى أربعة مواقف: أوَّلها: كان مِنْ أهل الأمصار مَنْ غَضِبَ لعثمان - رضي الله عنه - في حرمة الدَّم والشَّهر والبلد والدّار، فرأوا أنَّ التَّعجيلَ في تعقُّب قتلته والإسراعِ في محاسبتهم أَمْرٌ واجِبٌ قبل أن يستَطِيرَ شرُّ هؤلاء البغاة المنافقين، ويصيب عليّاً - رضي الله عنه - ما أصاب عثمان - رضي الله عنه -، ويَنْفَتِق في الإسلام فَتْقٌ لا رَتْقَ له، وهم أهْلُ الشَّام وعلى رأْسِهم معاوية - رضي الله عنه -، وشَطْر من أهل البصرة، ومثلهم من أَهْلِ مِصْرَ.
ثانيها: منهم مَنْ رأى ضَرُورَةَ تَأْجِيلِ ملاحقة قتلة عثمان - رضي الله عنه - وإقامة الحدود عليهم حتَّى يتوطَّد الحكمُ للخليفة عليٍّ - رضي الله عنه -، وتصير له شَوكَةٌ، ويخضع البلاد الَّتي انتقضت بعد استشهاد عثمان - رضي الله عنه -، وهم كثير من أهل الأمصار خاصَّة أهل الكوفة، فقد كانوا مع عليٍّ - رضي الله عنه - في ذلك.
ثالثها: منهم من اعتزل الفتنة، وآثر أن يدخل بيته حتَّى تنجلي هذه الغمَّة والظّلمة ويَبْزُغ قَمَرُها، تمسُّكاً بالأحاديث الَّتي تأمر بالكَفِّ عن القتال بين المسلمين، وما فيها مِنْ وعيد على مَنْ حمل السِّلاح على المسلم، وهم كُثُر، منهم: سعد بن أبي وقَّاص، وعبد الله بن عمر، والمغيرة بن شعبة، ومحمَّد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وأبو هريرة، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، وأبو موسى الأشعريّ، وأبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاريّ، وصُهَيْب بن سِنَان الرُّوميّ، وعِمْرَان بن حُصَيْن بن عُبَيْد، وسَلَمَة بن الأَكْوَع، وأَبُو بَكْرَة نُفَيْع بن الْحَارِث، وجَرِير بن عَبْد الله الْبَجَلِيّ، وغيرهم كثير - رضي الله عنهم -.