للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البَصْرَةِ، بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَقَدِمَا عَلَيْنَا الكُوفَةَ، فَصَعِدَا المِنْبَرَ، فَكَانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ فَوْقَ المِنْبَرِ فِي أَعْلَاهُ، وَقَامَ عَمَّارٌ أَسْفَلَ مِنَ الحَسَنِ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ، فَسَمِعْتُ عَمَّاراً، يَقُولُ:

"إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى البَصْرَةِ، وَوَالله إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلَاكُمْ، لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ " (١).

وكانت خطبته هذه قبل حادثة الجمل ليكفَّهم عن الخروج معها - رضي الله عنها -، والضَّمير في قوله: (إِيَّاهُ) لله تعالى، فهو القائل في محكم التَّنزيل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ (٣٣)} [الأحزاب]، ويحتمل أنَّه للخليفة عليٍّ فهو الأولى بالطَّاعة، والأوَّل أظهر، وليس في الحديث دعوة للخروج مع عليّ - رضي الله عنه - لمقاتلة أحد.

أمّا مَنْ يتعلّل بما رواه البخاري عن عمرو أنّه سمع أبا وائل يقول: " دَخَلَ أَبُو مُوسَى وَأَبُو مَسْعُودٍ عَلَى عَمَّارٍ، حَيْثُ بَعَثَهُ عَلِيٌّ إِلَى أَهْلِ الكُوفَةِ يَسْتَنْفِرُهُمْ " (٢). ويظنّ أنّ علياً - رضي الله عنه - يستنفر أهل الكوفة لقتال عائشة - رضي الله عنها - فهذا لا يَصِحُّ البتَّة؛ فهو يعرف أنّ خروج عائشة - رضي الله عنها - مِنْ أصله كان قدراً مقدوراً، فقد حذَّرها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حياته من الخروج، وسمع عليّ - رضي الله عنه - هذا التّحذير، وسمع طلب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - منه أن يرفق بها، أخرج الحاكم بإسناد صحيح من رواية أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - هِنْد زوج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ:

ذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خُرُوجَ بَعْضِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، فَضَحِكَت عَائِشَةُ، فَقَالَ


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ ص ٩٧) كتاب الفتن.
(٢) المرجع السّابق.

<<  <   >  >>