للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْغَوْر، وَمَكَّة مِنْ تِهَامَة.

ونجد أهل المدينة مِن جهة المشرق، وهي بادية العراق ونواحيها، وهذا معروف في كتب المعاجم والبلدان والأنساب والحديث وغيرها. ومن الأدلَّة على أنَّ نجد أهل المدينة من جهة المشرق دعاءُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على قبائل مِن مُضَر كانوا مقيمين بأرض نجد وما والاها، قال - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ. وَأَهْلُ المَشْرِقِ يَوْمَئِذٍ مِنْ مُضَرَ مُخَالِفُونَ لَهُ " (١).

فقولهم: وَفِي نَجْدِنَا، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ" المراد جهة المشرق، ومصداق ذلك أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنَّ قرن الشَّيطان يطلع مِن قبل المشرق حيث الفتنة، كما تقدَّم آنفاً، روى مسلم عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ المشْرِقِ، يَقُولُ: "أَلَا إِنَّ الفِتْنَةَ هَاهُنَا، أَلَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ " (٢).

وعلَّة امتناع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن الدُّعاء لأهل نجد (أهل المشرق) تحذيرهم من الفِتَنِ، لحملهم على ترك ملابستها ومزاولتها لأنّها من جهتهم.

وشواهد الحال تؤكِّد أنَّ الفتن كان منشأها من المشرق، فمَنْ قَتَلَ الخليفة عمر - رضي الله عنه - غِيلة جاء مِن قِبَل المشرق، ومَنْ أجلب على الخليفة عثمان - رضي الله عنه - واجتمع عليه جلّهم جاء مِن هناك. وحادثة الجمل وقعت في ناحية المشرق، ومن المشرق ظهر الخوارج، وطلعت معظم الفرق الضَّالّة، وفيها قتل الخليفة علي - رضي الله عنه - وابنه سبْط


(١) البخاريّ "صحيح البخاريّ" (م ١/ج ١/ص ١٩٥) كتاب الأذان.
(٢) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٩/ج ١٨/ص ٣١) كتاب الفتن.

<<  <   >  >>