للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرج البخاريّ عن أبي إِدْرِيس الْخَوْلَانِيّ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ، يَقُولُ

:

" كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا.

قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا،

قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ" (١).

وفي رواية مسلم: "يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ " (٢).

ولعلَّه - صلى الله عليه وسلم - عنى بالشَّرِّ الأوَّل الفتن الَّتي وقعت بعد استشهاد عثمان - رضي الله عنه -، وعنى بالخير التَّحكيم (الصُّلح) الّذي جرى بين عليّ ومعاوية، أو عام الجماعة الَّذي تنازل فيه الحسن - رضي الله عنه - عن الخلافة لمعاوية - رضي الله عنه -، واجتمعت فيه كلمة المسلمين، لكن لم يكن الخير خالصاً يومها لخِلاف مَنْ خَالفَ مِنَ الخوارج.


(١) البخاريّ "صحيح البخاري" (م ٤/ج ٨/ص ٩٣) كتاب الفتن.
(٢) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٦/ج ١٢/ص ٢٣٨) كتاب الإمارة.

<<  <   >  >>