للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٣٥)} [النَّحل].

ولا ريب أنَّ البَلاغَ المبين من خصائص أسلوبِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، الَّذي أَعْجَزَ بَلاغُهُ البُلغَاءَ، وتَبَلَّدَ أَمَامه الفُصَحَاءُ؛ فقد أُوتِيَ جَوامِعَ الكَلِم، قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ " (١).

وما مِنْ شكٍّ أنَّ الموعظة بالكلمة البليغة لها أثرها وتأثيرها حتَّى على الكافرين والمنافقين، قال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (٦٣)} [النِّساء] فالآية فيها فضل البلاغة والفصاحة.

ومع هذا لا يخلو زماننا الَّذي قلَّ فيه العلم وكثر فيه الظُّلم ممَّن رَغِبَ عن بيانه - صلى الله عليه وسلم -، وزهد في بلاغه، وممَّن استحبَّ العمى على الهدى فناله في أحبِّ النَّاس إليه، ألا بِئْسَ ما قدَّمت أيديهم ليوم الحِسَاب!

وأنا أعْلمُ ـ وليتهم يعلمون ـ أنَّ أمَّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - شَغَلَت العُلماءَ المتقدِّمين والمتأخِّرين، وأثارت برزانة عقلها وغزارةِ علمِها إجلالَ السَّلفِ والخلف، بل لا توجد امرأةٌ بَرَزَ اسْمُها في تاريخ الإِسْلامِ والمسلمين، وحظيت باهتمام الباحثين والدَّارسين عَبْرَ القرون كما حظيت به عائشة - رضي الله عنها -، فهيهات أن يجود الزَّمان بمن يشقّ غبارها، أو يدنو من آثارها، فكيف باللَّحاق بها! وأين في النِّساء مثل عائشة - رضي الله عنها -؟! الرَّاجحة في موازين العقل، السَّابقة في ميادين الفضل؛ فلا عَجَبَ أن أسِيْرَ خَلْفَ السَّلف بِقَلْبٍ بِسِيرَتِها أَسِير.


(١) البخاريّ "صحيح البخاري" (م ٤/ج ٨/ص ٧٦) كتاب التّعبير.

<<  <   >  >>