كما أخبر. ولذلك تجد أبعد النَّاس عن الاختلاف أهل الحديث والسُّنَّة؛ لما أقَاموا على هذا الأصل، وتجد أكثر النَّاس اختلافاً وفُرْقَةً أبعدهم عن الكتاب والسُّنَّة وآثار سلف هذه الأمَّة، ولا عجب؛ فمن رَدَّ الحقَّ تخبَّط في خَطْبٍ مَرِيج، كما قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥)} [ق].
قلت: والعرباض بن سارية - رضي الله عنه - الَّذي حدَّث بهذا الحديث هو أحد أَعْيَان أهل الصَّفَّة (١)،
وأحد البكّائين، الَّذين نزل فيهم قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (٩٢)} [التَّوبة] ولو لم يكن له - رضي الله عنه - مِنْ فَضْل إلَّا نزول هذه الآية لكانت أدلَّ دليل على عَظِيم فَضْلِهِ وفضل الصَّحابة الَّذين نزلت فيهم الآية.
فكيف يجرؤ أحد على أصحاب رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالقَدْح بعد أن نزلت فيهم الآياتُ بالتَّقريظ والمدح؟!
(١) هم فُقراء المهاجرين ممّن لم يكن له منزل يسكنه، فكانوا يَأْوُون إلى موضع مُظَلَّل في مسجد المدينة يسكنونه، والصّفّة: الظّلَّة.