(وَيَدْعُو) قَائِمًا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: حِكْمَتُهُ كَوْنُهُ حَالَ خُشُوعٍ وَإِنَابَةٍ فَنَاسَبَهُ الْقِيَامُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْقِيَامُ شِعَارُ الِاعْتِنَاءِ وَالِاهْتِمَامِ، وَالدُّعَاءُ أَهَمُّ أَعْمَالِ الِاسْتِسْقَاءِ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي لَهُمْ، فَقَامَ فَدَعَا اللَّهَ قَائِمًا ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ فَسُقُوا» " (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) إِذَا فَرَغَ مِنَ الْخُطْبَةِ؛ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَى عَلِيٌّ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ وَاخْتَارَهُ أَصْبَغُ، وَحَمَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الِاسْتِقْبَالَ عَلَى حَالَةِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِدُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ: ( «وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ حِينَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَجْهَرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِالْقِرَاءَةِ» ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ؛ أَيْ: إِجْمَاعَ مَنْ قَالَ بِالصَّلَاةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرِقِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ صِفَةُ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَقْرَأُ فِيهَا، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِيهِمَا سَبْعًا وَخَمْسًا كَالْعِيدِ، وَأَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ " سَبِّحِ " وَ " هَلْ أَتَاكَ "، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، لَكِنْ أَصْلُهُ فِي السُّنَنِ بِلَفْظِ: ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ، فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: يُكَبِّرُ فِيهِمَا، انْتَهَى.
وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ مَالِكٌ لِضَعْفِ الرِّوَايَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالتَّكْبِيرِ، وَلِمَا يَطْرُقُ الثَّانِيَةُ مِنِ احْتِمَالِ نَقْصِ التَّشْبِيهِ.
( «وَإِذَا حَوَّلَ رِدَاءَهُ جَعَلَ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ وَالَّذِي عَلَى شِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ» ) كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بِلَفْظِ: «فَجَعَلَ عِطِافَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَعِطَافَهُ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ» ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّحْوِيلِ فَقَطْ بِلَا تَنْكِيسٍ، وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ: " «اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلُهُ أَعْلَاهَا، فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ» " إِذْ مَفْهُومُهُ لَوْ لَمْ تَثْقُلْ عَلَيْهِ لَنَكَّسَ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِذَلِكَ الْجُمْهُورُ لِانْفِرَادِ رَاوِيهَا بِهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ زَيْدٍ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ لَا يُسْتَحَبُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
( «وَيُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ إِذَا حَوَّلَ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ» ) لِمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ: " وَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " (وَيَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ وَهُمْ قُعُودٌ) وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ: يُحَوِّلُ الْإِمَامُ وَحْدَهُ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ النِّسَاءَ فَقَالَ: لَا يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِنَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute