[باب تَحْرِيمِ الْخَمْرِ]
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ «سُئِلَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِتْعِ فَقَالَ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ»
ــ
٤ - بَابُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ
وَهِيَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ كَمَا خَطَبَ بِذَلِكَ عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ الْأَكَابِرِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَشَمِلَ كُلَّ مُسْكِرٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهَا تَخْمُرُ الْعَقْلَ أَيْ تُغَطِّيهِ وَتَسْتُرُهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ غَطَّى شَيْئًا فَقَدْ خَمَرَهُ، كَخِمَارِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يُغَطِّي رَأْسَهَا، وَيُقَالُ لِلشَّجَرِ الْمُلْتَفِّ الْخَمْرُ لِأَنَّهُ يُغَطِّي مَا تَحْتَهُ أَوْ لِأَنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى أُدْرِكَتْ، كَمَا يُقَالُ خَمَرَ الرَّأْيُ وَاخْتَمَرَ أَيْ تُرِكَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِيهِ الْوَجْهُ، وَاخْتَمَرَ الْخُبْزُ إِذَا بَلَغَ إِدْرَاكَهُ، أَوْ لِأَنَّهَا اشْتُقَّتْ مِنَ الْمُخَامَرَةِ الَّتِي هِيَ الْمُخَالَطَةُ ; لِأَنَّهَا تُخَالِطُ الْعَقْلَ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَالثَّلَاثَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَمْرِ، لِأَنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى أَدْرَكَتِ الْغَلَيَانَ، وَحَّدَ الْإِسْكَارِ وَهِيَ مُخَالِطَةٌ لِلْعَقْلِ وَرُبَّمَا غَلَبَتْ عَلَيْهِ وَغَطَّتْهُ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.
١٥٩٥ - ١٥٣٧ - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) إِسْمَاعِيلَ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ أَوِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِتْعِ» ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتُفْتَحُ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ وَقَدْ تُفْتَحُ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَهُوَ شَرَابُ الْعَسَلِ، وَكَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَشْرَبُونَهُ كَمَا زَادَهُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدِهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ أَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ السَّائِلِ صَرِيحًا لَكِنِّي أَظُنُّهُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ كَمَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا فَقَالَ مَا هِيَ؟ قَالَ: الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ.
(فَقَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» ) عُمُومُهُ شَامِلٌ لِمَا اتُّخِذَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَمِنْ غَيْرِهِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِذَا خَرَجَ الْخَبَرُ بِتَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ عَلَى شَرَابِ الْعَسَلِ فَكُلُّ مُسْكِرٍ مِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ ; وَلِذَا قَالَ عُمَرُ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ.
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: يُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِ السُّؤَالِ أَنَّهُ وَقَعَ عَنْ حُكْمِ جِنْسِ الْبِتْعِ لَا عَنِ الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ مِنْهُ ; لِأَنَّ السَّائِلَ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ أَخْبِرْنِي عَمَّا يَحِلُّ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ إِذَا سَأَلُوا عَنِ الْجِنْسِ قَالُوا: هَلْ هَذَا نَافِعٌ أَوْ ضَارٌّ مَثَلًا؟ وَإِذَا سَأَلُوا عَنِ الْقَدْرِ قَالُوا: كَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ؟ وَفِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute