[كِتَابُ الصَّدَقَةِ] [بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ]
باب التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا كَانَ إِنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ يُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ»
ــ
٥٨ - كِتَابُ الصَّدَقَةِ
١ - بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ
١٨٧٤ - ١٨٢٧ - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِي الْحُبَابِ) - بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَمُوَحَّدَتَيْنِ مُخَفَّفًا - (سَعْدِ بْنِ يَسَارٍ) - بِتَحْتِيَّةٍ، وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ - مُرْسَلًا عِنْدَ يَحْيَى وَأَكْثَرِ الرُّوَاةِ، وَأَسْنَدَهُ مَعْنٌ، وَابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي الْحُبَابِ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ» ) ، أَيْ مَكْسُوبٍ، وَالْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ تَعَاطِي التَّكَسُّبِ، أَوْ حُصُولِ الْمَكْسُوبِ بِغَيْرِ تَعَاطٍ كَالْمِيرَاثِ، وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الْكَسْبَ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ: الْحَلَالُ لِأَنَّهُ صِفَةُ كَسْبٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَصْلُ الطَّيِّبِ الْمُسْتَلَذُّ بِالطَّبْعِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالشَّرْعِ، وَهُوَ الْحَلَالُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْمَحْضُ أَوِ الْمُتَشَابِهُ بِهِ ; لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْحَلَالِ عَلَى أَشْبَهِ الْأَقْوَالِ لِلْأَدِلَّةِ.
( «وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا» ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، التَّقْدِيرُ مَا قَبْلَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " «وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ» "، أَيِ الْحَلَالُ، أَوِ الْمُتَشَابِهُ لَا الْحَرَامُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْمُتَصَدِّقِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَهُوَ قَدْ تَصَرَّفَ فِيهِ، فَلَوْ قَبِلَهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَأْمُورًا مَنْهِيًّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُحَالٌ.
وَقَالَ الْأَبِيُّ: الْقَبُولُ حُصُولُ الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ، إِذِ الْمَعْنَى لَا يُثِيبُ اللَّهُ مَنْ تَصَدَّقَ بِحَرَامٍ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْحَجُّ بِالْمَالِ الْحَرَامِ ; لِأَنَّ الْقَبُولَ أَخَصُّ مِنَ الصِّحَّةِ، لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الْفِعْلِ مُسْقِطًا لِلْفَرْضِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ نَفْيُ الْأَعَمِّ، فَالْحَجُّ بِالْحَرَامِ صَحِيحٌ، إِذْ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَقَبَّلٌ، أَيْ لَا ثَوَابَ فِيهِ، وَلَا يُتَعَقَّبُ هَذَا بِأَنَّهُ لَا وَاجِبَ إِلَّا وَفِيهِ ثَوَابٌ ; لِأَنَّ رَدَّ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ وَاجِبٌ، وَلَا ثَوَابَ فِيهِ، وَلَا يُشْكَلُ صِحَّةُ الْحَجِّ بِالْحَرَامِ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي النِّكَاحِ بِالْمَالِ الْحَرَامِ: أَخَافُ أَنْ يُضَارِعَ الزِّنَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَإِلَّا فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ.
( «فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ» ) ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute