للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بَاب جَامِعِ السَّعْيِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ «أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] فَمَا عَلَى الرَّجُلِ شَيْءٌ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَلَّا لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] »

ــ

٤٢ - بَابُ جَامِعِ السَّعْيِ

٨٣٨ - ٨٢٨ - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦] ، (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ ٦) ، وَهَلْ يُقَالُ لَهُنَّ أَيْضًا أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنَاتِ؟ قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ، (وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ) ، أَيْ صَغِيرٌ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: كِنَايَةٌ عَنِ الشَّبَابِ وَأَوَّلِ الْعُمُرِ، وَالْحَدِيثُ ضِدُّ الْقَدِيمِ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ عُذْرِهِ فِي السُّؤَالِ، وَأَنَّ الْتِبَاسَهُ عَلَيْهِ نَشَأَ مِنَ الْحَدَاثَةِ، (أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ) ، أَيْ أَخْبِرِينِي عَنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [البقرة: ١٥٨] جَبَلَيِ السَّعْيِ اللَّذَيْنِ يُسْعَى مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، وَالصَّفَا فِي الْأَصْلِ جَمْعُ صَفَاةٍ، وَهِيَ الصَّخْرَةُ، وَالْحَجَرُ الْأَمْلَسُ، وَالْمَرْوَةُ فِي الْأَصْلِ حَجَرٌ أَبْيَضُ بَرَّاقٌ، {مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] ، أَيِ الْمَعَالِمِ الَّتِي نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهَا، وَأَمَرَ بِالْقِيَامِ عَلَيْهَا، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشَّعَائِرُ أَعْمَالُ الْحَجِّ وَكُلُّ مَا جُعِلَ عِلْمًا لِطَاعَةِ اللَّهِ.

{فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ} [البقرة: ١٥٨] : لَا إِثْمَ {عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ} [البقرة: ١٥٨] بِشَدِّ الطَّاءِ أَصْلُهُ يَتَطَوَّفُ أُبْدِلَتِ التَّاءُ طَاءً لِقُرْبِ مَخْرَجِهِ، وَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الطَّاءِ، (بِهِمَا) أَيْ يَسْعَى بَيْنَهُمَا، (فَمَا عَلَى الرَّجُلِ) وَصْفٌ طَرْدِيٌّ، وَالْمُرَادُ الْحَاجُّ أَوِ الْمُعْتَمِرُ (شَيْءٌ) ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ، وَابْنِ وَهْبٍ وَالتِّنِّيسِيِّ: فَمَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَظُنُّ - وَبِفَتْحِهَا أَعْتَقِدُ، وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ: " فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ "، (أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا) ، إِذْ مَفْهُومُهَا أَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى رَفْعِ الْجُنَاحِ، وَهُوَ الْإِثْمُ عَنْ فَاعِلِهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَتِهِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا قِيلَ فِيهِ ذَلِكَ، لِأَنَّ رَفْعَ الْإِثْمِ عَلَّامَةُ الْإِبَاحَةِ، وَيُزَادُ الْمُسْتَحَبُّ بِإِثْبَاتِ الْأَجْرِ وَالْوُجُوبِ بِعِقَابِ التَّارِكِ.

(فَقَالَتْ عَائِشَةُ) رَدًّا عَلَيْهِ: (كَلَّا) رَدْعٌ لَهُ، وَزَجْرٌ عَنِ اعْتِقَادِهِ ذَلِكَ وَفَهْمِهِ مِنَ الْآيَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ: " بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي "، (لَوْ كَانَ) الْأَمْرُ وَالشَّأْنُ (كَمَا تَقُولُ) ، وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ: كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ (لَكَانَتِ) الْآيَةُ: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا) ، أَيْ لَا جُنَاحَ فِي تَرْكِ الطَّوَافِ بِهِمَا، فَكَانَتْ تَدُلُّ عَلَى رَفْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>