للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يُضْطَرُّ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ]

حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدُ مِنْهَا فَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَيَأْكُلُ مِنْهَا وَهُوَ يَجِدُ ثَمَرَ الْقَوْمِ أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا بِمَكَانِهِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إِنْ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْغَنَمِ يُصَدِّقُونَهُ بِضَرُورَتِهِ حَتَّى لَا يُعَدُّ سَارِقًا فَتُقْطَعَ يَدُهُ رَأَيْتُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ وَجَدَ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَنْ لَا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يُعَدَّ سَارِقًا بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ خَيْرٌ لَهُ عِنْدِي وَلَهُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَعَةٌ مَعَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَعْدُوَ عَادٍ مِمَّنْ لَمْ يُضْطَرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ يُرِيدُ اسْتِجَازَةَ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ بِذَلِكَ بِدُونِ اضْطِرَارٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ.

ــ

٧ - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يُضْطَرُّ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ

الْمُبَاحُ لَهُ أَكْلُهَا بِالنُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَحَدُّ الِاضْطِرَارِ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ عِلْمًا أَوْ ظَنًّا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَصِيرَ إِلَى حَالٍ يُشْرِفُ مَعَهَا عَلَى الْمَوْتِ فَإِنَّ الْأَكْلَ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ.

قَالَ الْعَارِفُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي الْمَيِّتِ سُمِّيَّةً شَدِيدَةً، فَلَوْ أَكَلَهَا ابْتِدَاءً لَأَهْلَكَتْهُ، فَشَرَعَ لَهُ أَنْ يَجُوعَ لِيُصَيِّرَ فِي بَدَنِهِ بِالْجُوعِ سُمِّيَّةً هِيَ أَشَدُّ مِنْ سُمِّيَّةِ الْمَيِّتِ فَإِذَا أَكَلَ مِنْهَا حِينَئِذٍ لَا يَتَضَرَّرُ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ حَسَنٌ بَالِغٌ فِي الْحُسْنِ.

- (مَالِكٌ: أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الرَّجُلِ) وَصْفٌ طَرْدِيٌّ فَالْمُرَادُ وَلَوِ امْرَأَةٌ (يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ مِنْهَا، فَإِذَا وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَدَلِيلُهُ أَنَّ الضَّرُورَةَ تَرْفَعُ التَّحْرِيمَ فَيَعُودُ مُبَاحًا، وَمِقْدَارُ الضَّرُورَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الْعَدَمِ لِلْقُوتِ إِلَى حَالَةِ وُجُودِهِ حَتَّى يَجِدَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ نَصُّ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ الَّذِي أَلَّفَهُ بِنَظَرِهِ وَأَمْلَاهُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقَرَأَهُ عُمُرَهُ كُلَّهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ: يَأْكُلُ مِقْدَارَ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ ضَرُورَةٌ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، قَالَ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إِذَا كَانَتِ الْمَخْمَصَةُ نَادِرَةً، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ دَائِمَةً فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الشِّبَعِ مِنْهَا. انْتَهَى.

وَاحْتَجَّ لِلْمُقَابِلِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٧٣] أَيْ فَأَكَلَ غَيْرَ بَاغٍ لِلَّذَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَلَا مُتَعَدٍّ - مِقْدَارَ الْحَاجَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَغْيِ الْخُرُوجُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَبِالتَّعَدِّي قَطْعُ الطَّرِيقِ، فَلَا رُخْصَةَ لَهُ فِي الْمَيْتَةِ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهَا كَمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا.

(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَيَأْكُلُ مِنْهَا وَهُوَ يَجِدُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (ثَمَرَ الْقَوْمِ أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا بِمَكَانِهِ ذَلِكَ؟ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الثَّمَرِ) بِمُثَلَّثَةٍ (أَوِ الزَّرْعِ أَوِ الْغَنَمِ يُصَدِّقُونَهُ بِضَرُورَتِهِ) أَيْ فِيهَا (حَتَّى لَا يُعَدَّ سَارِقًا فَتُقْطَعَ يَدُهُ رَأَيْتُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ وَجَدَ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>