[كِتَاب الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ] [باب مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٣٨ - كِتَابُ الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ
بَاب مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ»
قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يُعْتِقُ سَيِّدُهُ مِنْهُ شِقْصًا ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ سَهْمًا مِنْ الْأَسْهُمِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ إِلَّا مَا أَعْتَقَ سَيِّدُهُ وَسَمَّى مِنْ ذَلِكَ الشِّقْصِ وَذَلِكَ أَنَّ عَتَاقَةَ ذَلِكَ الشِّقْصِ إِنَّمَا وَجَبَتْ وَكَانَتْ بَعْدَ وَفَاةِ الْمَيِّتِ وَأَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ مَا عَاشَ فَلَمَّا وَقَعَ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ الْمُوصِي لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي إِلَّا مَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَعْتِقْ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ لِأَنَّ مَالَهُ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ فَكَيْفَ يَعْتِقُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ لَيْسُوا هُمْ ابْتَدَءُوا الْعَتَاقَةَ وَلَا أَثْبَتُوهَا وَلَا لَهُمْ الْوَلَاءُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ وَإِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْمَيِّتُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ وَأُثْبِتَ لَهُ الْوَلَاءُ فَلَا يُحْمَلُ ذَلِكَ فِي مَالِ غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يَعْتِقَ مَا بَقِيَ مِنْهُ فِي مَالِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِشُرَكَائِهِ وَوَرَثَتِهِ وَلَيْسَ لِشُرَكَائِهِ أَنْ يَأْبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ ثُلُثَ عَبْدِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَتَّ عِتْقَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ فِي ثُلُثِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ الَّذِي يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَوْ عَاشَ رَجَعَ فِيهِ وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ وَأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَبِتُّ سَيِّدُهُ عِتْقَ ثُلُثِهِ فِي مَرَضِهِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كُلُّهُ إِنْ عَاشَ وَإِنْ مَاتَ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ وَذَلِكَ أَنَّ أَمْرَ الْمَيِّتِ جَائِزٌ فِي ثُلُثِهِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ الصَّحِيحِ جَائِزٌ فِي مَالِهِ كُلِّهِ
ــ
الْعِتْقُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ إِزَالَةُ الْمِلْكِ، يُقَالُ: عَتَقَ يَعْتِقُ عِتْقًا بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَتُفْتَحُ وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ عَتَقَ الْفَرَسُ إِذَا سَبَقَ، وَعَتَقَ الْفَرْخُ إِذَا طَارَ ; لِأَنَّ الرَّقِيقَ يَتَخَلَّصُ بِالْعِتْقِ وَيَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ.
١ - بَابُ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ
إِشَارَةً إِلَى أَنَّ لَفْظَ عَبْدٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الْمُرَادُ بِهِ الْمَمْلُوكُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَهُوَ تَنْبِيهٌ لَطِيفٌ تَرْجَمَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِلَفْظِ مَمْلُوكٍ، وَقَدْ أَسْلَفْتُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ تَارَةً يُقَدِّمُ التَّرْجَمَةَ بِكِتَابٍ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا كَالْعُنْوَانِ فَيَجْعَلُ الْبَسْمَلَةَ مَبْدَأَ الْمَقْصُودِ، وَتَارَةً يُقَدِّمُ الْبَسْمَلَةَ عَلَى كِتَابٍ تَفَنُّنًا.
١٥٠٤ - ١٤٥٦ - (مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ) يُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْ شَرْطِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهِيَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، فَتَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ، وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ لَا صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَعَبْدٌ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ، فَإِنْ أَذِنَ أَوْ أَمْضَاهُ لَزِمَهُ وَقُوِّمَ عَلَيْهِ، وَلَا كَافِرٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ قُرْبَةٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِالْفُرُوعِ عَلَى الصَّحِيحِ، كَذَا قَالَهُ الْأُبِّيُّ (شِرْكًا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ " شِقْصًا " بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَقَافٍ سَاكِنَةٍ وَمُهْمَلَةٍ، وَفِي أُخْرَى عَنْ أَيُّوبَ أَيْضًا وَكِلَاهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ " نَصِيبَا " وَالْكُلُّ بِمَعْنًى، وَالشِّرْكُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ أُطْلِقَ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ، وَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ " جُزْءًا مُشْتَرَكًا " وَمَا أَشْبَهَهُ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute