[[مقدمة الشارح]]
عَنِ الْكِتَابِ وَمُؤَلِّفِهِ
مُؤَلِّفُ هَذَا الْكِتَابِ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، يَنْتَهِي نَسَبُهُ إِلَى يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ قَحْطَانَ الْأَصْبَحِيِّ، جَدُّهُ أَبُو عَامِرٍ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ. شَهِدَ الْمَغَازِي كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَا بَدْرًا، كَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ نَقْلًا عَنِ الْقَاضِي بَكْرِ بْنِ الْعُلَا الْقُشَيْرِيِّ، لَكِنْ قَالَ غَيْرُهُ: أَبُو عَامِرٍ جَدُّ مَالِكٍ الْأَعْلَى، كَانَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلْقَهُ، سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَهُوَ تَابِعِيٌّ مُخَضْرَمٌ. قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي " التَّجْرِيدِ ": لَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْإِصَابَةِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. وَابْنُهُ مَالِكٌ جَدُّ الْإِمَامِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَعُلَمَائِهِمْ، يَرْوِي عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحَسَّانَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ حَمَلُوا عُثْمَانَ لَيْلًا إِلَى قَبْرِهِ وَغَسَّلُوهُ وَدَفَنُوهُ. يَرْوِي عَنْهُ بَنُوهُ: أَنَسٌ وَبِهِ يُكَنَّى وَأَبُو سُهَيْلٍ نَافِعٌ وَالرَّبِيعُ. مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَرْفُوعًا: " «ثَلَاثٌ يَفْرَحُ لَهُنَّ الْجَسَدُ فَيَرْبُو عَلَيْهِنَّ: الطِّيبُ وَالثَّوْبُ اللَّيِّنُ وَشُرْبُ الْعَسَلِ» " أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ وَضَعَّفَهُ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ هَارُونَ الشَّامِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُمَرَ بِهِ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " الضُّعَفَاءِ " وَقَالَ: هَذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ يُونُسَ، وَقَدْ أَتَى بِعَجَائِبَ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: هَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ، وَيُونُسُ ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا مَالِكٌ: فَهُوَ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ صَدْرُ الصُّدُورِ وَأَكْمَلُ الْعُقَلَاءِ وَأَعْقَلُ الْفُضَلَاءِ، وَرِثَ حَدِيثَ الرَّسُولِ، وَنَشَرَ فِي أُمَّتِهِ الْأَحْكَامَ وَالْفُصُولَ، أَخَذَ عَنْ تِسْعِمِائَةِ شَيْخٍ فَأَكْثَرَ، وَمَا أَفْتَى حَتَّى شَهِدَ لَهُ سَبْعُونَ إِمَامًا أَنَّهُ أَهْلٌ لِذَلِكَ، وَكَتَبَ بِيَدِهِ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ، وَجَلَسَ لِلدَّرْسِ وَهُوَ ابْنُ سَبْعَةَ عَشَرَ عَامًا، وَصَارَتْ حَلْقَتُهُ أَكْبَرَ مِنْ حَلْقَةِ مَشَايِخِهِ فِي حَيَاتِهِمْ، وَكَانَ النَّاسُ يَزْدَحِمُونَ عَلَى بَابِهِ لِأَخْذِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ كَازْدِحَامِهِمْ عَلَى بَابِ السُّلْطَانِ، وَلَهُ حَاجِبٌ يَأْذَنُ أَوَّلًا لِلْخَاصَّةِ فَإِذَا فَرَغُوا أَذِنَ لِلْعَامَّةِ، وَإِذَا جَلَسَ لِلْفِقْهِ جَلَسَ كَيْفَ كَانَ، وَإِذَا أَرَادَ الْجُلُوسَ لِلْحَدِيثِ اغْتَسَلَ وَتَطَيَّبَ وَلَبِسَ ثِيَابًا جُدُدًا وَتَعَمَّمَ وَقَعَدَ عَلَى مِنَصَّتِهِ بِخُشُوعٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute