[بَاب الْحُكْمِ فِي الصَّيْدِ]
قَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: ٩٥]
قَالَ مَالِكٌ فَالَّذِي يَصِيدُ الصَّيْدَ وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ يَقْتُلُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَبْتَاعُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ يَقْتُلُهُ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ أَصَابَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ
قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ فِيهِ أَنْ يُقَوَّمَ الصَّيْدُ الَّذِي أَصَابَ فَيُنْظَرَ كَمْ ثَمَنُهُ مِنْ الطَّعَامِ فَيُطْعِمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا أَوْ يَصُومَ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَيُنْظَرَ كَمْ عِدَّةُ الْمَسَاكِينِ فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانُوا عِشْرِينَ مِسْكِينًا صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا عَدَدَهُمْ مَا كَانُوا وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا
قَالَ مَالِكٌ سَمِعْتُ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَى مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ بِمِثْلِ مَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ الَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ مُحْرِمٌ
ــ
٢٧ - بَابُ الْحُكْمِ فِي الصَّيْدِ
(قَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ ٩٥) ، أَيْ مُحْرِمُونَ، اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ: وَقَدْ أَحْرَمْتُمْ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، وَقِيلَ: دَخَلْتُمْ فِي الْحَرَمِ، وَقِيلَ: هُمَا مَرَادَانِ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ: أَحْرَمَ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ: الدُّخُولُ فِي حُرُمَاتِ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ، وَأَنْجَدَ، وَأَتْهَمَ، وَأَصْبَحَ، وَأَمْسَى، إِذَا دَخَلَ نَجْدَ، أَوْ تِهَامَةَ، وَفِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ.
وَالثَّالِثُ اعْتَمَدَهُ الْفُقَهَاءُ، وَلَعَلَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْقَتْلَ دُونَ الذَّبْحِ لِلتَّعْمِيمِ، وَأُرِيدَ بِالصَّيْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا، إِلَّا الْمُسْتَثْنَيَاتِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَا يُؤْكَلُ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِيهِ عُرْفًا، (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا) ، ذَاكِرًا، عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ، (فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) بِرَفْعِ جَزَاءٌ بِلَا تَنْوِينٍ، وَخَفْضِ مِثْلٍ، عَلَى أَنَّ جَزَاءَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ تَخْفِيفًا، وَالْأَصْلُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْزِيَ الْمَقْتُولَ مِنَ الصَّيْدِ مِثْلَهُ مِنَ النَّعَمِ، فَحُذِفَ الْأَوَّلُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَأُضِيفَ الْمَصْدَرُ إِلَى الثَّانِي، أَوْ أَنَّ مِثْلَ مُقْحَمَةٌ، كَقَوْلِهِمْ: مِثْلُكَ لَا يَبْخَلُ أَيْ أَنْتَ، وَهَذِهِ قِرَاءَةُ نَافِعٍ، وَابْنِ كَثِيرٍ، وَابْنِ عَامِرٍ، وَأَبِي عَمْرٍو، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: فَجَزَاءٌ بِالرَّفْعِ مُنَّوَنًا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ فَالْوَاجِبُ جَزَاءٌ، أَوْ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ فَيَلْزَمُهُ، أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِجَزَاءٍ، أَيْ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ مِثْلٌ أَيْ مُمَاثِلٌ مِمَّا قَتَلَهُ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ سَلَفًا وَخَلَفًا إِلَى أَنَّ الْعَامِدَ وَالنَّاسِيَ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ، فَالْقُرْآنُ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْعَامِدِ، وَعَلَى إِثْمِهِ بِقَوْلِهِ: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: ٩٥] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ ٩٥) ، وَجَاءَتْ السُّنَّةُ مِنْ أَحْكَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ بِوُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي الْخَطَأِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فِي الْعَمْدِ، وَأَيْضًا فَقَتْلُ الصَّيْدِ إِتْلَافٌ، وَالْإِتْلَافُ مَضْمُونٌ فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ، لَكِنَّ الْمُتَعَمِّدَ آثِمٌ، وَالْمُخْطِئَ غَيْرُ مَلُومٍ، وَهَذِهِ الْمُمَاثَلَةُ بِاعْتِبَارِ الْخِلْقَةِ وَالْهَيْئَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَالْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (يَحْكُمُ بِهِ) بِالْجَزَاءِ (ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ، أَيْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْأَنْوَاعَ تَتَشَابَهُ، فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَالْفِيلِ بَدَنَةٌ لَهَا سَنَامَانِ، وَحِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ إِلَى آخِرِ مَا بُيِّنَ فِي الْفُرُوعِ، (هَدْيًا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرٍ بِهِ (بَالِغُ الْكَعْبَةِ) صِفَةُ هَدْيًا، وَالْإِضَافَةُ لَفْظِيَّةٌ، أَيْ وَاصِلًا إِلَيْهَا بِأَنْ يُذْبَحَ، وَيُتَصَدَّقَ بِهِ، (أَوْ كَفَّارَةٌ) عَطْفٌ عَلَى جَزَاءٍ، (طَعَامُ مَسَاكِينَ) بَدَلٌ مِنْهُ، أَوْ تَقْدِيرُهُ: هِيَ طَعَامُ، وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ بِإِضَافَةِ كَفَّارَةٍ إِلَى طَعَامٍ، لِأَنَّهَا لَمَّا تَنَوَّعَتْ إِلَى تَكْفِيرٍ بِالطَّعَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute