[بَاب دُخُولِ الْحَائِضِ مَكَّةَ]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَتْ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ قَالَتْ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ هَذَا مَكَانُ عُمْرَتِكِ فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا مِنْهَا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا»
ــ
٧٤ - بَابُ دُخُولِ الْحَائِضِ مَكَّةَ
٩٤٠ - ٩٢٤ - (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا) مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا، وَقَالَ لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ غَيْرَهَا (فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ) أَيْ أَدْخَلْنَاهَا عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ أَهْلَلْنَا بِهِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهَا وَحَالِ مَنْ كَانَ مِثْلَهَا فِي الْإِهْلَالِ بِعُمْرَةٍ، لَا عَنْ فِعْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهَا الْمُتَقَدِّمَ: فَمِنَّا مَنْ أَهَّلَ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَّلَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَّلَ بِالْحَجِّ، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِيمَا أَحْرَمَتْ بِهِ عَائِشَةُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.
(ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ) لِمَنْ مَعَهُ بَعْدَ إِحْرَامِهِمْ بِالْحَجِّ وَقُرْبِهِمْ مِنْ مَكَّةَ بِسَرِفَ، كَمَا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ، أَوْ بَعْدَ طَوَافِهِمْ بِالْبَيْتِ، كَمَا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ، وَيُحْتَمَلُ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ قَالَهُ مَرَّتَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَأَنَّ الْعَزِيمَةَ كَانَتْ آخِرًا لَمَّا أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ (مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَخِفَّةِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِهَا وَشَدِّ الْيَاءِ، وَالْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إِلَى الْحَرَمِ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَسَوْقُ الْهَدْيِ سُنَّةٌ لِمُرِيدِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ (فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ) بِالْحَاءِ فِيهِمَا (مِنْهُمَا) أَيِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (جَمِيعًا) وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ فِي بَقَاءِ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ عَلَى إِحْرَامِهِ أَنَّهُ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، لَا مُجَرَّدَ سَوْقُ الْهَدْيِ كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مُتَمَسِّكِينَ بِرِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ: فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ يَهْدِ فَلْيُحْلِلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى، فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ» " وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِهِمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: يَحِلُّ بِتَمَامِ الْعُمْرَةِ قِيَاسًا عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسُقْ هَدْيًا، وَلِأَنَّهُ يَحِلُّ مِنْ نُسُكِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ.
وَأَجَابُوا عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ فِيهَا حَذْفًا بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ مَالِكٍ هَذِهِ وَتَقْدِيرُهُ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَأَهْدَى فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ، وَالْمَخْرَجَ وَاحِدٌ وَهُوَ عَائِشَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute