للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْجُمْلَةُ (لَهُ فِي عَبْدٍ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْعَبْدُ لُغَةً الْمَمْلُوكُ الذَّكَرُ وَمُؤَنَّثُهُ أَمَةٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، وَسُمِعَ: عَبْدَةٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْجِنْسُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣] (سورة مَرْيَمَ: الْآيَةُ ٩٣) فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى قَطْعًا أَوْ إِلْحَاقًا لِلْأُنْثَى بِهِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَغَلِطَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ فَقَالَ: لَا تَقْوِيمَ فِي عِتْقِ الْإِنَاثِ وُقُوفًا مَعَ لَفْظِ عَبْدٍ، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ حُذَّاقُ أَهْلِ الْأُصُولِ ; لِأَنَّ الْأَمَةَ فِي مَعْنَى الْعَبْدِ فَهُوَ مِنَ الْقِيَاسِ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ، وَالْقِيَاسُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.

وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَمِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: " «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ» ". وَهُوَ يَشْمَلُ الْأُنْثَى نَصًّا، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ» ". (فَكَانَ لَهُ مَالٌ) هُوَ مَا يُتَمَوَّلُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَسَعُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ، قَالَهُ عِيَاضٌ، وَفِي رِوَايَةٍ مَا بَلَا لَامٍ، أَيْ شَيْءٌ (يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ) أَيْ ثَمَنَ بَقِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ بِحِصَّتِهِ وَالْمُرَادُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا اشْتُرِيَ بِهِ وَاللَّازِمَ هُنَا الْقِيمَةُ لَا الثَّمَنُ، وَقَدْ بُيِّنَ الْمُرَادُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " «وَلَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ أَنْصِبَاءِ شُرَكَائِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِشُرَكَائِهِ أَنْصِبَاءَهُمْ وَيَعْتِقُ الْعَبْدَ» ". (قُوِّمَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ ثَقِيلَةٍ (عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ) بِأَنْ لَا يُزَادَ عَلَى قِيمَتِهِ وَلَا يُنْقَصَ عَنْهَا، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ: " «لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ» ". بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَمُهْمَلَةٍ، أَيْ نَقْصٍ، وَشَطَطٌ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَتَيْنِ وَالْفَتْحِ، أَيْ جَوْرٌ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ، وَالْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بِأَعْلَى الْقِيمَةِ أَوْ قِيمَةِ عَدْلٍ، وَهُوَ شَكٌّ مِنْ سُفْيَانَ، وَقَدْ رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ عَنْهُ بِلَفْظِ: قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَدْلٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ " يَبْلُغُ " يُخْرِجُ مَا إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَبْلُغُ قِيمَةَ النَّصَبِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، لَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَسْرِي إِلَى الْقَدْرِ الَّذِي هُوَ مُوسِرٌ بِهِ تَنْفِيذًا لِلْعِتْقِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، قَالَهُ الْحَافِظُ.

(فَأَعْطَى) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (شُرَكَاءَهُ) بِالنَّصْبِ هَكَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ، وَلِبَعْضِهِمْ بِبِنَاءِ أَعْطَى لِلْمَجْهُولِ وَرَفْعِ شُرَكَائِهِ (حِصَصَهُمْ) أَيْ قِيمَةُ حِصَصِهِمْ فَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ وَاحِدًا أَعْطَاهُ جَمِيعَ الْبَاقِي اتِّفَاقًا، فَلَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ وَهِيَ الثُّلْثُ وَالثَّانِي حِصَّتَهُ وَهِيَ السُّدُسُ فَفِي تَقْوِيمِ نَصِيبِ صَاحِبِ النِّصْفِ بِالسَّوِيَّةِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْإِتْلَافِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوِ انْفَرَدَ لَقُوِّمَ عَلَيْهِ قَلَّ نَصِيبُهُ أَوْ كَثُرَ، أَوْ يُقَوَّمُ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، قَوْلَانِ: الْجُمْهُورُ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ كَامِلًا لَا عِتْقَ فِيهِ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>