مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ يُقَوَّمُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُ حُرٌّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّ سَبَبَ التَّقْوِيمِ جِنَايَةُ الْمُعْتِقِ بِتَفْوِيتِهِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فَيَقُومُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ كَالْحُكْمِ فِي سَائِرِ الْجِنَايَاتِ الْمُقَوَّمَةِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَلِأَنَّ الْمُعْتِقَ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَدْعُوَ شَرِيكَهُ لِيَبِيعَ جَمِيعَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ نِصْفُ جَمِيعِ الثَّمَنِ، فَلَمَّا مَنَعَهُ هَذَا ضَمِنَهُ مَا مَنَعَهُ مِنْهُ (وَعَتَقَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (عَلَيْهِ الْعَبْدُ) بَعْدَ إِعْطَاءِ الْقِيمَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَلَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ (فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ فِي الثَّانِي، كَذَا قَالَ الدَّرَاوَرْدِيُّ: وَرَدَّدَهُ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ عَتَقَ بِالْفَتْحِ، وَأُعْتِقَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَلَا يُعْرَفُ عُتْقٌ - بِضَمِّ أَوَّلِهِ - لِأَنَّ الْفِعْلَ لَازِمٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ. ثُمَّ هَذَا مِنْ لَفْظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْ مَالِكٍ فِي وَصْلِهَا، وَكَذَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَإِنِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إِثْبَاتِهَا وَحَذْفِهَا، وَزَعَمَ ابْنُ وَضَّاحٍ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ تَعَلُّقًا بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ نَافِعٌ: وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ. قَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي أَشَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ أَوْ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ؟ قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا شَكٌّ مِنْ أَيُّوبَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُكْمِ الْمُعْسِرِ هَلْ هِيَ مَوْصُولَةٌ مَرْفُوعَةٌ أَوْ مُدْرَجَةٌ مَقْطُوعَةٌ؟ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ، فَقَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ، وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْهُ، وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ شَيْءٌ يَقُولُهُ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَوَافَقَ أَيُّوبَ عَلَى الشَّكِّ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ، وَرَوَاهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَحْيَى فَجَزَمَ أَنَّهَا عَنْ نَافِعٍ أَدْرَجَهَا، وَجَزَمَ مُسْلِمٌ بِأَنَّ أَيُّوبَ وَيَحْيَى شَكَّا، وَالَّذِينَ أَثْبَتُوهَا حُفَّاظٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْ مَالِكٍ فِي وَصْلِهَا وَلَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَإِنِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إِثْبَاتِهَا وَحَذْفِهَا فَأَثْبَتَهَا عَنْهُ كَثِيرُونَ وَلَمْ يَذْكُرْهَا آخَرُونَ، أَيْ وَالْحُجَّةُ فِيمَنْ ذَكَرَ لَا فِيمَنْ تَرَكَ، وَأَثْبَتَهَا أَيْضًا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَرَجَّحَ الْأَئِمَّةُ رِوَايَةَ مَنْ أَثْبَتَهَا مَرْفُوعَةً، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَحْسَبُ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ يَشُكُّ فِي أَنَّ مَالِكًا أَحْفَظُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ مِنْ أَيُّوبَ ; لِأَنَّهُ كَانَ أَلْزَمَ لَهُ مِنْهُ حَتَّى لَوِ اسْتَوَيَا فَشَكَّ أَحَدُهُمَا فِي شَيْءٍ لَمْ يَشُكَّ فِيهِ صَاحِبُهُ كَانَتِ الْحُجَّةُ مَعَ مَنْ لَمْ يَشُكَّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ عُثْمَانَ الدَّارَمِيِّ: قُلْتُ لِابْنِ مَعِينٍ: مَالِكٌ فِي نَافِعٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ أَيُّوبُ؟ قَالَ: مَالِكٌ.
وَتَضَمَّنَ الْحَدِيثُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ عِتْقِ نَصِيبٍ لِلْمُعَتَقِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ مِنْ إِبْطَالِهِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، وَهُوَ قَوْلٌ لَا أَصْلَ لَهُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَكَأَنَّهُ رَاعَى حَقَّ الشَّرِيكِ لِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ الضَّرَرِ بِحُرِّيَّةِ الشِّقْصِ، وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدُ الْوَضْعِ ; لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ، ثُمَّ يَلْزَمُهُ أَنْ يُبْطِلَ حُكْمَ الْحَدِيثِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِخْرَاجِ مِلْكِ الْإِنْسَانِ جَبْرًا عَلَيْهِ، وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute