تَكَرَّرَتْ دَلَّتْ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَقَدْ قَالَ شَرِيكٌ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ: سَأَلْتُ أَنَسًا أَهْوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالتَّغَايُرِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ؛ لِأَنَّ أَنَسًا مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ.
وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَشُكُّ فِيهِ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسٍ: فَجَاءَ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمِثْلُهُ لِأَبِي عِوَانَةَ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظٍ: «فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى جَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» ، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْجَزْمُ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ، فَلَعَلَّ أَنَسًا كَانَ يَتَرَدَّدُ تَارَةً، وَيَجْزِمُ أُخْرَى بِاعْتِبَارِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ.
( «فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ» ) مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ (وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ) لِتَعَذُّرِ سُلُوكِ الطَّرِيقِ مِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ فَهُوَ سَبَبٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ: هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ؛ أَيْ: لِكَثْرَةِ الْمَاءِ انْقَطَعَ الْمَرْعَى.
(وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي) مِنْ عَدَمِ الْمَرْعَى أَوْ لِعَدَمِ مَا يُكِنُّهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: مِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: «وَاحْتَبَسَ الرُّكْبَانُ» ، وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ: «هُدِمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ» .
«فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ» ) أَيْ: يَا اللَّهُ أَنْزِلِ الْمَطَرَ (ظُهُورَ الْجِبَالِ) أَيْ: عَلَى ظُهُورٍ؛ فَنُصِبَ تَوَسُّعًا، وَقَدْ رَوَاهُ الْقِنِّيسِيُّ وَالْأَوْسِيُّ بِلَفْظٍ عَلَى (وَالْإِكَامَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَقَدْ تُفْتَحُ وَتُمَدُّ؛ جَمْعُ أَكَمَةٍ بِفَتَحَاتٍ، قَالَ ابْنُ الْبَرْقِيِّ: وَهُوَ التُّرَابُ الْمُجْتَمِعُ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْكُدْيَةِ، وَقَالَ الْقَزَّازُ: هِيَ الَّتِي مِنْ حَجَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هِيَ الْهَضْبَةُ الضَّخْمَةُ، وَقِيلَ: الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَقِيلَ: مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ، وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ: الْأَكَمَةُ أَعْلَى مِنَ الرَّابِيَةِ، (وَبُطُونَ الْأَوْدِيَةِ) أَيْ: مَا يَتَحَصَّلُ فِيهِ الْمَاءُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ، قَالُوا: وَلَمْ يُسْمَعْ أَفْعَلَةَ جَمْعِ فَاعِلٍ إِلَّا أَوْدِيَةً جَمْعُ وَادٍ وَفِيهِ نَظَرٌ. (وَمَنَابِتَ الشَّجَرِ) جَمْعُ مَنْبَتٍ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ؛ أَيْ: مَا حَوْلَهَا مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَنْبُتَ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْمَنْبَتِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْمَطَرُ، زَادَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ: وَرُءُوسَ الْجِبَالِ، فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ: " «فَرَفَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» " (قَالَ) أَنَسٌ: (فَانْجَابَتْ) بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ ( «عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ» ) أَيْ: خَرَجَتْ عَنْهَا كَمَا يُخْرَجُ الثَّوْبُ عَنْ لَابِسِهِ، وَفِي الْمُنْتَقَى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهُ تَدَوَّرَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ كَمَا يَدُورُ جَيْبُ الْقَمِيصِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي تَقَطَّعَتْ عَنْهَا كَمَا يُقْطَّعُ الثَّوْبُ الْخَلَقُ. انْتَهَى.
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَكَلَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute