اعْتُقِدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ التَّجْرِبَةِ فَلَيْسَ بِكُفْرٍ، لَكِنْ تَجُوزُ فِي إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ وَإِرَادَةِ كُفْرِ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طَوْقِ الْحَدِيثِ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالشُّكْرِ وَاسِطَةٌ فَيُحْمَلُ الْكُفْرُ فِيهِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ لِيَتَنَاوَلَ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا يُرَدُّ السَّاكِتُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقِدَ قَدْ يَشْكُرُ بِقَلْبِهِ أَوْ يَكْفُرُ، فَعَلَى هَذَا لِقَوْلِهِ: " فَأَمَّا مَنْ قَالَ " لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ النُّطْقِ وَالِاعْتِقَادِ كَمَا أَنَّ الْكُفْرَ أَعَمُّ مِنْ كُفْرِ الشِّرْكِ وَكُفْرِ النِّعْمَةِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَدْخَلَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَنْتَظِرُ السُّقْيَا فِي الْأَنْوَاءِ فَقَطَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالْكَوَاكِبِ. الثَّانِي: أَنَّ النَّاسَ أَصَابَهُمُ الْقَحْطُ فِي زَمَانِ عُمَرَ فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: كَمْ بَقِيَ مِنْ أَنْوَاءِ الثُّرَيَّا؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: زَعَمُوا أَنَّهَا تَعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ سَبْعًا فَمَا مَرَّتْ حَتَّى نَزَلَ الْمَطَرُ، فَانْظُرْ إِلَى عُمَرَ وَالْعَبَّاسِ وَقَدْ ذَكَرَا الثُّرَيَّا وَنَوْءَهَا وَتَوَقَّعَا ذَلِكَ فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ مَنِ انْتَظَرَ الْمَطَرَ مِنَ الْأَنْوَاءِ عَلَى أَنَّهَا فَاعِلَةٌ لَهُ دُونَ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهَا فَاعِلَةٌ بِمَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا فَهُوَ كَافِرٌ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ إِلَّا لِلَّهِ كَمَا قَالَ: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ ٥٤) وَمَنِ انْتَظَرَهَا وَتَوَكَّفَ الْمَطَرَ مِنْهَا عَلَى أَنَّهَا عَادَةٌ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَجْرَى الْعَوَائِدَ فِي السَّحَابِ وَالرِّيَاحِ وَالْأَمْطَارِ لِمَعَانٍ تَتَرَتَّبُ فِي الْخِلْقَةِ وَجَاءَتْ عَلَى نَسَقٍ فِي الْعَادَةِ، انْتَهَى.
وَذَكَرَ نَحْوَ تَفْصِيلِهِ الْبَاجِيِّ وَزَادَ أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ لَا يُكَفِّرُ فِي الثَّالِثِ لَا يَجُورُ إِطْلَاقُ هَذَا اللَّفْظِ بِوَجْهٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ مَا ذَكَرَ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِمَنْعِهِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِيهَامِ السَّامِعِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ عَنْ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ كِلَاهُمَا عَنْ صَالِحٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute