لِوَاسِعٍ رُؤْيَةٌ، فَلِذَا ذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ، وَأَبَوْهُ حَبَّانُ بْنُ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ. (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ) أَيِ: ابْنَ عُمَرَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ: زَعْمُ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى وَاسِعٍ وَهْمٌ (كَانَ يَقُولُ: إِنَّ أُنَاسًا) كَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَرَى بِعُمُومِ النَّهْيِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا (يَقُولُونَ: إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ) كِنَايَةً عَنِ التَّبَرُّزِ وَنَحْوِهِ، وَذَكَرَ الْقُعُودَ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَحَالُ الْقِيَامِ كَذَلِكَ.
( «فَلَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ» ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ مُخَفَّفًا، وَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَشَدِّ الدَّالِ مَفْتُوحَةً، وَ " بَيْتَ " نُصِبَ عَطْفًا عَلَى الْقِبْلَةِ، وَالْإِضَافَةُ فِيهِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ) لَيْسَ جَوَابًا لِوَاسِعٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَوْرَدَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مُنْكَرًا لَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ سَبَبَ إِنْكَارِهِ بِمَا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ؛ فَقَالَ بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ: فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَقَدِ ارْتَقَيْتُ. . . إِلَخْ، لَكِنَّ الرَّاوِيَ عَنْهُ وَاسِعٌ أَرَادَ التَّأْكِيدَ بِإِعَادَةِ قَوْلِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ (لَقَدِ ارْتَقَيْتُ) أَيْ: صَعِدْتُ، وَاللَّامُ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ ( «عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا» ) ، وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: " عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا "، وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ يَحْيَى: " «عَلَى ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ» " كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ؛ أَيْ: أُخْتِهِ، كَمَا فِي مُسْلِمٍ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَصَعِدْتُ ظَهْرَ الْبَيْتِ، وَجَمَعَ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ حَيْثُ أَضَافَهُ إِلَيْهِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ، وَحَيْثُ أَضَافَهُ إِلَيْهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الْبَيْتُ الَّذِي أَسْكَنَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ وَاسْتَمَرَّ فِي يَدِهَا إِلَى أَنْ مَاتَتْ فَوَرِثَ عَنْهَا، وَحَيْثُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ كَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا آلَ إِلَيْهِ الْحَالُ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ حَفْصَةَ دُونَ إِخْوَتِهِ؛ لِأَنَّهَا شَقِيقَتُهُ وَلَمْ تَتْرُكْ مَنْ يَحْجُبُهُ مِنْ الِاسْتِيعَابِ. ( «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى لَبِنَتَيْنِ» ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ النُّونِ؛ تَثْنِيَةَ لَبِنَةٍ، وَهِيَ مَا يُصْنَعُ مِنَ الطِّينِ أَوْ غَيْرِهِ لِلْبِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يُحْرَقَ ( «مُسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ» ) أَيْ: لِأَجْلِ حَاجَتِهِ، أَوْ وَقْتَ حَاجَتِهِ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ: «فَأَشْرَفْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى خَلَائِهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: " «فَرَأَيْتُهُ يَقْضِي حَاجَتَهُ مَحْجُوبًا عَلَيْهِ بِلَبِنَتَيْنِ» ". وَلِلْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: " «فَرَأَيْتُهُ فِي كَنِيفٍ» " وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ النُّونِ فَتَحْتِيَّةٍ فَفَاءٍ، وَانْتَفَى بِهَذَا إِيرَادُ مَنْ قَالَ مِمَّنْ يَرَى الْجَوَازَ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْفَضَاءِ، وَكَوْنُهُ عَلَى لَبِنَتَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبِنَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَيْهِمَا لِيَرْتَفِعَ عَنِ الْأَرْضِ بِهِمَا، وَيُرَدُّ هَذَا الِاحْتِمَالُ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى الْمَنْعَ فِي الِاسْتِقْبَالِ فِي الْفَضَاءِ إِلَّا بِسَاتِرٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَمْ يَقْصِدِ ابْنُ عُمَرَ الْإِشْرَافَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute