للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَنَسٍ: " أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ مَرَّ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ " فَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي تَعْيِينِ الصَّلَاةِ، وَبَنُو سَلَمَةَ غَيْرُ بَنِي حَارِثَةَ (فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ) بِالتَّنْكِيرِ لِإِرَادَةِ الْبَعْضِيَّةِ، فَالْمُرَادُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: ١٤٤] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٤٤) الْآيَاتِ، وَفِيهِ إِطْلَاقُ اللَّيْلَةِ عَلَى بَعْضِ الْيَوْمِ الْمَاضِي وَمَا يَلِيهِ مَجَازًا، انْتَهَى.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَضَافَ النُّزُولَ إِلَى اللَّيْلِ عَلَى مَا بَلَغَهُ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُعْلِمْ بِنُزُولِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ لَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ بِالْوَحْيِ ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنَ اللَّيْلَةِ، انْتَهَى. (وَقَدْ أُمِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ (أَنْ) أَيْ: بِأَنْ (يَسْتَقْبِلَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (الْكَعْبَةَ) وَفِيهِ أَنَّ مَا يُؤْمَرُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْزَمُ أُمَّتَهُ، وَأَنَّ أَفْعَالَهُ يُؤْتَسَى بِهَا كَأَقْوَالِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ (فَاسْتَقْبَلُوهَا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ؛ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ؛ أَيْ: فَتَحَوَّلَ أَهْلُ قُبَاءٍ إِلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ (وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ) أَيْ: أَهْلِ قُبَاءٍ (إِلَى الشَّامِ) أَيْ: بَيْتِ الْمَقْدِسِ (فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ) فَالضَّمَائِرُ لِأَهْلِ قُبَاءٍ وَهُوَ تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي لِلتَّحَوُّلِ الْمَذْكُورِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ فَاعِلَ اسْتَقْبَلُوهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ، وَضَمِيرُ وُجُوهِهِمْ لَهُ وَلِأَهْلِ قُبَاءٍ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: فَاسْتَقْبِلُوهَا - بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ - أَمْرٌ. وَيَأْتِي فِي ضَمِيرِ " وُجُوهِهِمْ " الِاحْتِمَالَانِ الْمَذْكُورَانِ، وَعَوْدُهُ إِلَى أَهْلِ قُبَاءٍ أَظْهَرُ، وَيُرَجِّحُ رِوَايَةَ الْكَسْرِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِلَفْظِ: " «وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ أَلَا فَاسْتَقْبِلُوهَا» " فَدُخُولُ حَرْفِ الِاسْتِفْتَاحِ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَا بَعْدَهُ أَمْرٌ لَا بَقِيَّةُ الْخَبَرِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَوَقَعَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ التَّحْوِيلِ فِي حَدِيثِ تَوِيلَةَ بِنْتِ أَسْلَمَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ قَالَتْ فِيهِ: فَتَحَوَّلَ النِّسَاءُ مَكَانَ الرِّجَالِ وَالرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاءِ فَصَلَّيْنَا السَّجْدَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ؛ أَيِ: الرَّكْعَتَيْنِ، هُنَّ تَسْمِيَةُ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ، وَتَصْوِيرُهُ أَنَّ الْإِمَامَ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ مَنِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ اسْتَدْبَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَهُوَ لَوْ دَارَ كَمَا هُوَ فِي مَكَانِهِ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ مَكَانٌ يَسَعُ الصُّفُوفَ وَلَمَّا تَحَوَّلَ الْإِمَامُ تَحَوَّلَتِ الرِّجَالُ. وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَمَا كَانَ الْكَلَامُ قَبْلُ غَيْرَ حَرَامٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اغْتُفِرَ لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ لَمْ تَتَوَالَ الْخُطَا عِنْدَ التَّحْوِيلِ بَلْ وَقَعَتْ مُفْتَرِقَةً.

وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ حُكْمَ النَّاسِخِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَبْلُغَهُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَقَعَ قَبْلَ صَلَاتِهِمْ بِتِلْكَ الصَّلَوَاتِ، وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِعْلَامُ ذَلِكَ فَالْفَرْضُ لَا يَلْزَمُهُ، وَفِيهِ جِوَارُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَمَادَوْا عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَقْطَعُوهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَجَّحَ عِنْدَهُمُ التَّمَادِيَ وَالتَّحَوُّلَ عَلَى الْقَطْعِ وَالِاسْتِئْنَافِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا عَنِ اجْتِهَادٍ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ سَابِقٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>