النُّورِ وَعَدَّ الْأَقْوَالَ عَشَرَةً فَزَادَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَلَمْ يَعُدَّهُ الْحَافِظُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَفْسِيرُهُ بِكُلِّ مَا زَادَ عَلَى عَشَرَةٍ. (نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ لِيُجْمَعَ لَهُ بَيْنَ الْقِبْلَتَيْنِ كَمَا عُدَّ مِنْ خَصَائِصِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَتَأْلِيفًا لِلْيَهُودِ كَمَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ خِلَافًا لِقَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ بِاجْتِهَادِهِ، وَلِقَوْلِ الطَّبَرِيِّ " خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ فَاخْتَارَهُ طَمَعًا فِي إِيمَانِ الْيَهُودِ، وَرُدَّ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا هَاجَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْيَهُودُ أَكْثَرُ أَهْلِهَا يَسْتَقْبِلُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ فَاسْتَقْبَلَهَا سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ فَكَانَ يَدْعُو وَيَنْظُرَ إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ يَعْنِي: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٤٤) فَارْتَابَتِ الْيَهُودُ وَقَالُوا: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١١٥) وَظَاهِرُهُ أَنَّ اسْتِقْبَالَهُ إِنَّمَا وَقَعَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، لَكِنْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِمَكَّةَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ» " وَجَمَعَ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَمَّا هَاجَرَ أَمَرَ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الصَّلَاةِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ مَا صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ صُرِفَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى ثَلَاثَ حِجَجٍ، ثُمَّ هَاجَرَ فَصَلَّى إِلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّانِي: " وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ " يُخَالِفُ ظَاهِرَ حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَحْضًا.
وَحَكَى الزُّهْرِيُّ خِلَافًا فِي أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ يَجْعَلُ الْكَعْبَةَ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَوْ يَجْعَلُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ كَانَ يَجْعَلُ الْمِيزَابَ خَلْفَهُ، وَعَلَى الثَّانِي كَانَ يُصَلِّي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ. وَزَعَمَ نَاسٌ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ بِمَكَّةَ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ثُمَّ نُسِخَ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ دَعْوَى النَّسْخِ مَرَّتَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. اهـ. وَلَا يُخَالِفُ قَوْلَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: نَسَخَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ وَنِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَلُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، زَادَ غَيْرُهُ: وَالْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْحَافِظِ أَنَّ خُصُوصَ نَسْخِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يَتَعَدَّدْ، وَمَا أَثْبَتَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ نَسَخَ الْقِبْلَةَ فِي الْجُمْلَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِالْكَعْبَةِ ثُمَّ نَسَخَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ثُمَّ نَسَخَ بِالْكَعْبَةِ كَمَا هُوَ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ أَثَرُ ابْنِ جُرَيْجٍ (ثُمَّ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ قَبْلَ) غَزْوَةِ (بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ) لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي رَمَضَانَ وَالتَّحْوِيلُ فِي نِصْفِ رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَاخْتَلَفَ الْمَسْجِدُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّحْوِيلُ، فَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ فِي مَسْجِدِهِ بِالْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أُمِرَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَاسْتَدَارَ إِلَيْهِ وَدَارَ الْمُسْلِمُونَ، وَيُقَالُ إِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَارَ أُمَّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فِي بَنِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute