- (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (عَنْ عَبَّادِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ (ابْنِ تَمِيمِ) بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ) عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ لِأُمِّهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ) الْأَنْصَارِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» ) وَفِيهِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ؛ إِذْ لَمْ يَثْبُتْ فِي خَبَرٍ عَنْ بُقْعَةٍ أَنَّهَا مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا هَذِهِ الْبُقْعَةُ الْمُقَدَّسَةُ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» " كَمَا فِي الصَّحِيحِ.
وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَا يُقَاوِمُ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي مَكَّةَ، ثُمَّ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفًا عَلَى الْحَزْوَرَةِ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» " وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ: هَذَا نَصٌّ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ، فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ قَالَهُ بَعْدَ حُصُولِ فَضْلِ الْمَدِينَةِ، أَمَّا حَيْثُ قَالَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِنَصٍّ؛ لِأَنَّ التَّفْضِيلَ إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ يَتَأَتَّى بَيْنَهُمَا تَفْضِيلٌ، وَفَضْلُ الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُنْ حَصَلَ حَتَّى يَكُونَ هَذَا حُجَّةٌ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ مَا عَدَا الْمَدِينَةَ كَمَا قَالُوا بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَدِيثِ الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ: ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ، وَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ إِلَى تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ، وَمَالَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ آخِرُهُمُ السُّيُوطِيُّ، فَقَالَ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى تَفْضِيلِ مَكَّةَ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَقَالَ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ وَمُطْرِّفٌ وَابْنُ حَبِيبٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْأَدِلَّةُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: بِالتَّسَاوِي، وَغَيْرُهُ بِالْوَقْفِ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا عَدَا الْبُقْعَةَ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ بِإِجْمَاعٍ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مَعْنَى التَّفْضِيلِ أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنَ الْآخَرِ، وَكَذَا فَضْلُ الزَّمَانِ، وَمَوْضِعُ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ لَا يُمْكِنُ فِيهِ عَمَلٌ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ حَرَامٌ وَفِيهِ عِقَابٌ شَدِيدٌ، وَأَجَابَ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ الشِّهَابُ الْقِرَافِيُّ بِأَنَّ التَّفْضِيلَ لِلْمُجَاوَرَةِ وَالْحُلُولِ كَتَفْضِيلِ جِلْدِ الْمُصْحَفِ عَلَى سَائِرِ الْجُلُودِ، فَلَا يَمَسُّهُ مُحْدِثٌ وَلَا يُلَابَسُ بِقَذَرٍ، وَإِلَّا لَزِمَهُ أَنْ لَا يَكُونَ جِلْدَ الْمُصْحَفِ، بَلْ وَلَا الْمُصْحَفُ نَفْسُهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ فِيهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَأَسْبَابُ التَّفْضِيلِ أَعَمُّ مِنَ الثَّوَابِ، فَإِنَّهَا مُنْتَهِيَةٌ إِلَى عِشْرِينَ قَاعِدَةً، وَبَيَّنَهَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute