وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَحُكْمُهُ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ.
وَرَوَى أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَحْوَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ: وَتَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: " لَوْ رَأَى. . . . إِلَخْ " فِي مَنْعِ النِّسَاءِ مُطْلَقًا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إِذْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ تَغَيُّرُ الْحُكْمِ، لِأَنَّهَا عَلَّقَتْهُ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ ظَنِّهِ، فَقَالَتْ: لَوْ رَأَى لَمَنَعَ، فَيُقَالُ عَلَيْهِ: لَمْ يَرَ وَلَمْ يَمْنَعْ فَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ، حَتَّى أَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُصَرِّحْ بِالْمَنْعِ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُهَا يُشْعِرُ بِأَنَّهَا تَرَى الْمَنْعَ، وَأَيْضًا فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا سَيُحْدِثْنَ فَمَا أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ بِمَنْعِهِنَّ، وَلَوْ كَانَ مَا أَحْدَثْنَ يَسْتَلْزِمُ مَنْعُهُنَّ مِنَ الْمَسَاجِدِ لَكَانَ مَنْعُهُنَّ مِنْ غَيْرِهَا كَالْأَسْوَاقِ أَوْلَى، وَأَيْضًا فَالْإِحْدَاثُ إِنَّمَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ النِّسَاءِ لَا مِنْ جَمِيعِهِنَّ، فَإِنْ تَعَيَّنَ الْمَنْعُ فَلْيَكُنْ لِمَنْ أَحْدَثْنَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُنْظَرَ إِلَى مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفَسَادُ فَيُجْتَنَبَ لِإِشَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى ذَلِكَ بِمَنْعِ التَّطَيُّبِ وَالزِّينَةِ، وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِاللَّيْلِ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى: " «إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» " وَرِوَايَةُ الْأَكْثَرِ بِدُونِ اللَّيْلِ.
وَاسْتُنْبِطَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ أَيْضًا: أَنَّهُ يُحْدِثُ لِلنَّاسِ فَتَاوَى بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ التَّمَسُّكِ بِالْمَصَالِحِ الْمُبَايِنَةِ لِلشَّرْعِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ كَمُرَادِ عَائِشَةَ أَنْ يُحْدِثُوا أَمْرًا تَقْتَضِي أُصُولُ الشَّرِيعَةِ فِيهِ غَيْرُ مَا اقْتَضَتْهُ قَبْلَ حُدُوثِ ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَلَا غَرْوَ فِي تَبَعِيَّةِ الْأَحْكَامِ لِلْأَحْوَالِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَثَرَ عَائِشَةَ هَذَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute