للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَوَاضِعَهُ وَإِيفَاءُ كُلِّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَكَأَنَّهَا رَأَتْ مِنْهُ تَقْصِيرًا أَوْ خَشِيَتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

(فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: وَيْلٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ هَلَكَةٌ وَخَيْبَةٌ.

وَقَالَ الْحَافِظُ: اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ، أَظْهَرُهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: " «وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ» " (لِلْأَعْقَابِ) جَمْعُ عَقِبٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِهَا وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ (مِنَ النَّارِ) قَالَ الْبَغَوِيُّ: مَعْنَاهُ لِأَصْحَابِ الْأَعْقَابِ الْمُقَصِّرِينَ فِي غَسْلِهَا، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ الْعَقِبَ يَخْتَصُّ بِالْعِقَابِ إِذَا قُصِّرَ فِي غَسْلِهَا، زَادَ عِيَاضٌ: فَإِنَّ مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ لَا تَمَسُّهَا النَّارُ كَمَا فِي أَثَرِ السُّجُودِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى النَّارِ، وَيَلْحَقُ بِالْأَعْقَابِ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ الَّتِي قَدْ يَحْصُلُ التَّسَاهُلُ فِي إِسْبَاغِهَا، وَإِنَّمَا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِصُورَةِ السَّبَبِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ: " «تَخَلَّفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنَّا فِي سُفْرَةٍ فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الْعَصْرُ فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ مَرْفُوعًا: " «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ» ".

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ وَرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَصَحُّهَا مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَمْرٍو يَعْنِي وَهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جُزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ وَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ رَوَاهُ، ثُمَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ فَهُوَ مَدَنِيٌّ حَسَنٌ. انْتَهَى.

وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ كَمَا عُلِمَ، وَفِيهِ أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ وَاجِبٌ إِذْ لَوْ أَجْزَأَ الْمَسْحُ لَمَا تَوَعَّدَ بِالنَّارِ، فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الشِّيعَةِ الْوَاجِبُ الْمَسْحُ لَظَاهِرِ قَوْلِهِ: {وَأَرْجُلِكُمْ} [المائدة: ٦] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ ٦) بِالْخَفْضِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ، وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صِفَةِ وُضُوئِهِ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْمُبَيِّنُ لِأَمْرِ اللَّهِ.

وَقَالَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ مُطَوَّلًا: ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ.

وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافَ ذَلِكَ إِلَّا عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَثَبَتَ عَنْهُمُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ.

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْمَسْحَ مَنْسُوخٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>