بِمَكَّةَ، وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ بِقَلِيلٍ
وَرَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ وَالسِّيَرِ أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَخْلَفَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَلَهُ حَدِيثٌ فِي السُّنَنِ، وَخَرَجَ إِلَى الْقَادِسِيَّةِ فَشَهِدَ الْقِتَالَ فَاسْتُشْهِدَ، وَقِيلَ بَلْ شَهِدَهَا وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَاتَ بِهَا، وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ ذِكْرٌ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَفِيهِ نَزَلَ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: ٩٥] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ ٩٥) كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَ {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس: ١] (سُورَةُ عَبَسَ.: الْآيَةُ ١) (جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِمَكَّةَ (فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ) قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ نِدَائِهِ بِاسْمِهِ ; لِأَنَّهُ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ (اسْتَدْنِينِي) بِيَاءٍ بَيْنَ النُّونَيْنِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ: " اسْتَدْنِنِي " بِحَذْفِهَا، أَيْ أَشِرْ لِي إِلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْكَ أَجْلِسُ فِيهِ (وَعِنْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ) جَمْعُ عَظِيمٍ (الْمُشْرِكِينَ) وَهُوَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ، وَلِابْنِ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُنَاجِي عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأَبَا جَهِلَ وَالْعَبَّاسَ
وَلَهُ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ: وَهُوَ يُنَاجِي أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَحَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَاجِيُّ خِلَافًا فِي تَفْسِيرِ الْمُبْهَمِ، وَزَادَ قَوْلًا أَنَّهُ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ (فَجَعَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُعْرِضُ عَنْهُ) ثِقَةً بِمَا فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ، لَا سِيَّمَا وَالَّذِي طَلَبَهُ مِنَ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ لَا يَفُوتُ.
فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَقَالَ: " «عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ» " (وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ) رَجَاءَ إِسْلَامِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ إِسْلَامَ الْخَلْقِ، إِذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْإِنْذَارِ وَبِالدُّعَاءِ إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (وَيَقُولُ: يَا أَبَا فُلَانٍ) خَاطَبَهُ بِالْكُنْيَةِ اسْتِئْلَافًا (هَلْ تَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا؟ فَيَقُولُ: لَا وَالدِّمَاءِ) بِالْمَدِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رِوَايَةُ طَائِفَةٍ عَنْ مَالِكٍ بِضَمِّ الدَّالِّ أَيِ الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ وَيُعَظِّمُونَ وَاحِدَتُهَا دُمْيَةٌ، وَطَائِفَةٍ بِكَسْرِ الدَّالِّ أَيْ دِمَاءُ الْهَدَايَا الَّتِي كَانُوا يَذْبَحُونَهَا بِمِنًى لِآلِهَتِهِمْ، قَالَ تَوْبَةُ بْنُ الْحَيْرِ:
عَلَيَّ دِمَاءُ الْبُدْنِ إِنْ كَانَ بَعْلُهَا ... يَرَى لِي ذَنَبًا غَيْرَ أَنِّي أَزُورُهَا
وَقَالَ آخَرُ:
أَمَا وَدِمَاءِ الْمُزْجِيَاتِ إِلَى مِنًى ... لَقَدْ كَفَرَتْ أَسْمَاءُ غَيْرَ كَفُورِ
(مَا أَرَى بِمَا تَقُولُ بَأْسًا) شِدَّةً بَلْ هُوَ رُوحُ الْأَرْوَاحِ (فَأُنْزِلَتْ عَبَسَ وَتَوَلَّى) أَعْرَضَ (أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) زَادَ أَبُو يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ: " «فَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ ذَلِكَ يُكْرِمُهُ» "، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «فَكَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مُقْبِلًا بَسَطَ إِلَيْهِ رِدَاءَهُ حَتَّى يُجْلِسَهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ إِذَا خَرَجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute