للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَحَدٍ، فَإِذًا: الدُّعَاءُ كَلَا دُعَاءٍ (نَزَرْتَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالزَّايِ مُخَفَّفَةً فَرَاءٍ سَاكِنَةٍ (رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ أَلْحَحْتَ عَلَيْهِ وَبَالَغْتَ فِي السُّؤَالِ، أَوْ رَاجَعْتَهُ أَوْ أَتَيْتَهُ بِمَا يَكْرَهُ مِنْ سُؤَالِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ، وَهُوَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، أَيْ أَقْلَلْتَ كَلَامَهُ إِذْ سَأَلْتَهُ مَا لَا يُحِبُّ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ، وَالتَّخْفِيفُ هُوَ الْوَجْهُ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ: سَأَلْتُ عَنْهُ مِمَّنْ لَقِيتُ أَرْبَعِينَ فَمَا قَرَؤُهُ قَطُّ إِلَّا بِالتَّخْفِيفِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ) فَفِيهِ أَنَّ سُكُوتَ الْعَالِمِ يُوجِبُ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ تَرْكَ الْإِلْحَاحِ عَلَيْهِ، وَإِنَّ لَهُ أَنْ يَسْكُتَ عَمَّا لَا يُرِيدُ أَنْ يُجِيبَ فِيهِ (قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ أَمَامَ) بِالْفَتْحِ، قُدَّامَ (النَّاسِ وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ) بِشَدِّ الْيَاءِ (قُرْآنٌ فَمَا نَشِبْتُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَفَوْقِيَّةٍ، فَمَا لَبِثْتُ وَمَا تَعَلَّقْتُ بِشَيْءٍ (أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا) لَمْ يُسَمَّ (يَصْرُخُ بِي قَالَ) عُمَرُ (فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ) قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَرَى أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ يُؤْنِسُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ (قَالَ) عُمَرُ: (فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ) بَعْدَ رَدِّ السَّلَامِ ( «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ» ) بِلَامِ التَّأْكِيدِ ( «أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» ) لِمَا فِيهَا مِنَ الْبِشَارَةِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَفْعَلُ قَدْ لَا يُرَادُ بِهَا الْمُفَاضَلَةُ (ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: ١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَالْبَرَاءُ: هُوَ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ وَوُقُوعُ الصُّلْحِ. قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنَّ الْفَتْحَ لُغَةً فَتْحُ الْمُغْلَقِ، وَالصُّلْحُ كَانَ مُغْلَقًا حَتَّى فَتَحَهُ اللَّهُ، وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ فَتْحِهِ صَدُّ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْبَيْتِ، فَكَانَتِ الصُّورَةُ الظَّاهِرَةُ ضَيْمًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْبَاطِنَةِ عِزًّا لَهُمْ، فَإِنَّ النَّاسَ لِلْأَمْنِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِمُ اخْتَلَطَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَأَسْمَعَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ الْقُرْآنَ وَنَاظَرُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ جَهْرَةً آمِنِينَ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُونَ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ إِلَّا خُفْيَةً فَظَهَرَ مَنْ كَانَ يُخْفِي إِسْلَامَهُ، فَذَلَّ الْمُشْرِكُونَ مِنْ حَيْثُ أَرَادُوا الْعِزَّةَ وَقُهِرُوا مِنْ حَيْثُ أَرَادُوا الْغَلَبَةَ، وَقِيلَ: هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ، نَزَلَتْ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةَ عِدَةً لَهُ بِفَتْحِهَا، وَأُتِيَ بِهِ مَاضِيًا لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، وَفِيهِ مِنَ الْفَخَامَةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى عُلُوِّ شَأْنِ الْمُخْبَرِ بِهِ مَا لَا يَخْفَى، وَقِيلَ: الْمَعْنَى قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً بَيِّنًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ تَدْخُلَهَا أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ قَابِلًا مِنَ الْفُتَاحَةِ وَهِيَ الْحُكُومَةُ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُرَادِ مِنَ الْآيَاتِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} [الفتح: ١] (سُورَةُ الْفَتْحِ: الْآيَةُ ١) فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ لِمَا تَرَتَّبَ عَلَى الصُّلْحِ مِنَ الْأَمْنِ وَرَفْعِ الْحَرْبِ، وَتَمَكُّنُ مَنْ كَانَ يَخْشَى الدُّخُولَ

<<  <  ج: ص:  >  >>