ذَكْوَانَ (السَّمَّانِ) كَانَ يَجْلِبُ السَّمْنَ إِلَى الْكُوفَةِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) قِيلَ التَّقْدِيرُ لَا إِلَهَ لَنَا أَوْ فِي الْوُجُودِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ مُطْلَقَةً أَعَمُّ مِنْ نَفْيِهَا مُقَيَّدَةً لِانْتِفَائِهَا مَعَ كُلِّ قَيْدٍ، فَإِذَا نُفِيَتْ مُقَيَّدَةً دَلَّتْ عَلَى سَلْبِ الْمَاهِيَّةِ مَعَ التَّقْيِيدِ الْمَخْصُوصِ فَلَا يَلْزَمُ نَفْيُهَا مَعَ قَيْدٍ آخَرَ.
وَأَجَابَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْمُرْسِيِّ فِي رَيِّ الظَّمْآنِ فَقَالَ: هَذَا كَلَامُ مَنْ لَا يَعْرِفُ لِسَانَ الْعَرَبِ فَإِنَّ " إِلَهَ " فِي مَوْضِعِ الْمُبْتَدَأِ عَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ اسْمُ " لَا "، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ خَبَرٍ لِلْمُبْتَدَأِ أَوْ لِـ (لَا) فَإِنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الْإِضْمَارِ فَاسِدٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِذَا لَمْ يُضْمَرُ كَانَ نَفْيًا لِلْإِلَهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ هِيَ نَفْيُ الْوُجُودِ، وَلَا تُتَصَوَّرُ الْمَاهِيَّةُ عِنْدَنَا إِلَّا مَعَ الْوُجُودِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ لَا مَاهِيَّةَ وَلَا وُجُودَ، هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْمَاهِيَّةَ عَرِيَّةً عَنِ الْوُجُودِ وَهُوَ فَاسِدٌ، وَقَوْلُهُ " إِلَّا اللَّهُ " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بَدَلًا مِنْ " لَا إِلَهَ " لَا خَبَرٍ ; لِأَنَّ " لَا " لَا تَعْمَلُ فِي الْمَعَارِفِ، وَلَوْ قُلْنَا الْخَبَرُ لِلْمُبْتَدَأِ أَوْ لِـ " لَا " فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَنْكِيرِ الْمُبْتَدَأِ وَتَعْرِيفِ الْخَبَرِ، لَكِنْ قَالَ السَّفَاقِسِيُّ: قَدْ أَجَازَ الشَّلَوْبِينِيُّ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ يَكُونُ مَعْرِفَةً وَيُسَوَّغُ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ، ثُمَّ أَكَّدَ الْحَصْرَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِقَوْلِهِ: (وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ) مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ وَخَبَرُ لَا مُتَعَلَّقُ قَوْلِهِ (لَهُ) مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ حَسَنَاتِ الذَّاكِرِ فَوَحْدَهُ حَالٌ مُئَوَّلَةٌ بِمُنْفَرِدٍ ; لِأَنَّ الْحَالَ لَا تَكُونُ مَعْرِفَةً وَ " لَا شَرِيكَ لَهُ " حَالٌ ثَانِيَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنَى الْأُولَى (لَهُ الْمُلْكُ) بِضَمِّ الْمِيمِ (وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْضًا، وَمَنْ مَنَعَ تَعَدُّدَ الْحَالِ جَعَلَ " لَا شَرِيكَ لَهُ " حَالًا مِنْ ضَمِيرِ " وَحْدَهُ " الْمُئَوَّلَةِ " بِـ " مُنْفَرِدًا "، وَكَذَا " لَهُ الْمُلْكُ " حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي " لَهُ " وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مَعْطُوفَاتٌ (فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ) وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ أَيِ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ لَهُ (عَدْلَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، أَيْ مِثْلَ ثَوَابِ إِعْتَاقِ (عَشْرِ رِقَابٍ) بِسُكُونِ الشِّينِ (وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنِةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالزَّايِ، حِصْنًا (مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَكِنْ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِمَّا عَمِلَ فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهِ، أَوْ مُتَّصِلٌ بِتَأْوِيلٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمِائَةَ غَايَةٌ فِي الذِّكْرِ، وَأَنَّهُ قَلَّ مَنْ يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِلَّا أَحَدٌ؛ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ مَمْنُوعٌ كَتَكْرَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute