: قِيلَ أَرَادَ فَقَرَ النَّفْسِ، وَقِيلَ الْفَقْرُ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَقِيلَ الْفَقْرُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي يُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ نِسْيَانُ الْفَرَائِضِ وَذِكْرِ اللَّهِ، وَجَاءَ فِي الْأَثَرِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فَقْرٍ يُنْسِينِي وَغِنًى يُطْغِينِي.
وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَفَافَ أَفْضَلُ مِنَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى ; لِأَنَّهُمَا بَلِيَّتَانِ يَخْتَبِرُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ.
(وَأَمْتِعْنِي بِسَمْعِي) لِمَا فِيهِ مِنَ التَّنَعُّمِ بِالذِّكْرِ وَسَمَاعِ مَا يَسُرُّ (وَبَصَرِي) لِمَا فِيهِ مِنْ رُؤْيَةِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ وَالتَّدَبُّرِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِيهِ لِغَيْرِهِ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ. (وَ) أَمْتِعْنِي بِـ (قُوَّتِي) بِفَوْقِيَّةٍ قَبْلَ الْيَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، الْقُوَى، وَيُرْوَى: وَقَوِّنِي، بَنُونٍ بَدَلَ الْفَوْقِيَّةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ عِنْدَ الرُّوَاةِ (فِي سَبِيلِكَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْجِهَادَ، وَأَنْ يُرِيدَ جَمِيعَ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْ تَبْلِيغٍ وَغَيْرِهَا فَذَلِكَ كُلُّهُ سَبِيلُ اللَّهِ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، سُبُلُ اللَّهِ تَعَالَى كَثِيرَةٌ، وَلَكِنْ يُوضَعُ فِي الْغَزْوِ فَخَصَّهُ بِالْعُرْفِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: " «إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمَتَيْ عَبْدِي فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ» " ; لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْفَرَائِضِ وَالْحَضِّ عَلَى الصَّبْرِ بَعْدَ الْوُقُوعِ، فَلَا يُنَافِي الدُّعَاءَ بِالْإِمْتَاعِ قَبْلَ وُقُوعِهِ ; لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الشُّكْرِ، قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ: لَأَنْ أُعَافَى فَأَشْكُرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْتَلَى فَأَصْبِرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute