عَلِيٌّ وَوَلَدَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ بَعْدَ عَلِيٍّ، وَهِيَ أُخْتُ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لِأُمِّهَا (غَسَّلَتْ) زَوْجَهَا (أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ تُوُفِّيَ) لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَغَلِطَ فِي الْإِصَابَةِ مَنْ قَالَ: مَاتَ فِي جُمَادَى الْأُولَى أَوْ لِلَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ تَغْسِيلِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَأَمَّا تَغْسِيلُهُ لَهَا فَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ; لِأَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: تُغَسِّلُهُ لِأَنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنْهُ، وَلَا يُغَسِّلُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِدَّةٍ مِنْهَا، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ لَا فِي حُكْمِ الْبَيْنُونَةِ بِدَلِيلِ الْإِرْثِ، وَاعْتَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَكَذَا لَا يُغَسِّلُهَا، وَهَذَا يَنْتَقِضُ بِغُسْلِهَا لَهُ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ ; لِأَنَّ زَوْجَ ابْنَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَاضِرًا وَأَمَرَ الْمُصْطَفَى النِّسْوَةَ بِغَسْلِهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ أَنَّهُ لَا مَانِعَ بِهِ وَلَا آثَرَ النِّسْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ، فَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ النِّسْوَةَ أَوْلَى مِنْهُ لَا عَلَى مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ لَوْ أَرَادَهُ.
(ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ؟ فَقَالُوا: لَا) غُسْلَ عَلَيْكِ وَاجِبٌ وَلَا مُسْتَحَبٌّ لِعُذْرِهَا بِالصَّوْمِ وَالْبَرْدِ، وَاخْتَلَفَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي وُجُوبِ غُسْلِ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَمْ أُدْرِكِ النَّاسَ إِلَّا عَلَيْهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَمْ أَرَهُ يَأْخُذُ بِحَدِيثِ أَسْمَاءَ، وَرَوَى عَنْهُ الْمَدَنِيُّونَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، قَالُوا: وَإِنَّمَا أَسْقَطُوهُ عَنْ أَسْمَاءَ لِعُذْرِهَا بِالصَّوْمِ وَالْبَرْدِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ إِلَّا وَاحِدًا لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، لَكِنْ صَرَفَهُ عَنْهُ حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْهُنَّ بِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ ; لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَعْلِيمٍ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شُرِّعَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِوُجُوبِهِ، فَقَالَ الْحَافِظُ: كَأَنَّهُ مَا دَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ ثَابِتٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَصَارَ إِلَيْهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَالْحِكْمَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ ; لِأَنَّ الْغَاسِلَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ سَيَغْتَسِلُ لَمْ يَتَحَفَّظْ مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُهُ مِنْ أَثَرِ الْغُسْلِ فَيُبَالِغُ فِي تَنْظِيفِ الْمَيِّتِ وَهُوَ مُطْمَئِنٌّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْغَاسِلِ لِيَكُونَ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَةِ جَسَدِهِ مِمَّا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ أَصَابَهُ مِنْ رَشَاشٍ وَنَحْوِهِ، انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute