صَالِحٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ وَحَاتِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَغَيْرُهُمْ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِهِ، وَكَذَا وَصَلَهُ جَمَاعَةٌ ثِقَاتٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ كَابْنِ أَخِيهِ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَمُوسَى بْنِ عُتْبَةَ وَزِيَادِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبَّاسِ بْنِ الْحَسَنِ، عَلَى اخْتِلَافٍ عَلَى بَعْضِهِمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، ثُمَّ أَسْنَدَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا، وَرِوَايَةُ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَخْرَجَهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَقِبَ إِخْرَاجِهَا: كَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مَوْصُولًا. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُرْسَلَ أَصَحُّ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ مُرْسَلٌ. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الْحُفَّاظُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ثَلَاثَةٌ: مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ، فَإِذَا اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَخَالَفَهُمَا الْآخَرُ تَرَكْنَا قَوْلَهُ.
(وَالْخُلَفَاءُ) بَعْدَهُمْ، وَدَخَلَ فِيهِمْ عَلِيٌّ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ مَشَى خَلْفَ جَنَازَةٍ وَالْعُمْرَيْنِ أَمَامَهُمَا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: فَضْلُ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الْمَاشِي أَمَامَهَا كَفَضْلِ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ، وَأَنَّهُمَا لَيَعْلَمَانِ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُمَا سَهَّلَا عَلَى النَّاسِ، وَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا شَهِدْتَ جَنَازَةً فَقَدِّمْهَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَإِنَّهَا مَوْعِظَةٌ وَتَذْكِرَةٌ وَعِبْرَةٌ. وَخَبَرُ أَبِي جُحَيْفَةَ مَرْفُوعًا: " «الْجَنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ وَلَيْسَ يَتْبَعُهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا» "، وَخَبَرُ: " «امْشُوا خَلْفَ الْجَنَازَةِ» " فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذِهِ أَحَادِيثُ وَفِيَّةٌ لَا يَقُومُ بِأَسَانِيدِهَا حُجَّةٌ، وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فِي ذَلِكَ، وَالْمَشْيُ أَمَامَهَا أَكْثَرُ عَنْهُمْ وَهُوَ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: الْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كُلُّ ذَلِكَ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ شَيَّعَ جَنَازَةً وَصَلَّى عَلَيْهَا كَانَ لَهُ قِيرَاطٌ مِنَ الْأَجْرِ، وَمَنْ قَعَدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ» " وَالْقِيرَاطُ كَأُحُدٍ وَلَمْ يَخُصَّ الْمَاشِيَ خَلْفَهَا أَوْ أَمَامَهَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا يَقُولُ أَحَدٌ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلِ الْمَشْيُ أَمَامَهَا مَشْرُوعٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَعَلَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ النَّاسَ شُفَعَاءُ لَهُ وَالشَّفِيعُ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الْمَشْفُوعِ لَهُ، أَوْ مَمْنُوعٌ، وَالسُّنَّةُ الْمَشْيُ خَلْفَهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
(هَلُمَّ جَرًّا) قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: مَعْنَاهُ سِيرُوا عَلَى هِينَتِكُمْ أَيْ تَثَبَّتُوا فِي سَيْرِكُمْ وَلَا تُجْهِدُوا أَنْفُسَكُمْ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَرِّ وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ تَرْعَى فِي السَّيْرِ، قَالَ: وَنَصْبُ جَرًّا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ هَلُمَّ جَارِينَ أَيْ مُتَثَبِّتِينَ أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ ; لِأَنَّ فِي هَلُمَّ مَعْنَى جَرَّ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: جُرُّوا جَرًّا، أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ، زَادَ أَبُو حَيَّانَ، وَأَوَّلُ مَنْ قَالَهُ عَابِدُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ:
فَإِنْ جَاوَزْتُ مُقْفِرَةً رَمَتْ بِي ... إِلَى أُخْرَى كَتِلْكَ هَلُمَّ جَرَّا
وَفِي هَذَا الْبَيْتِ وَنَطَقَ ابْنُ شِهَابٍ بِهِ، وَهُوَ مِنْ قُرَيْشٍ الْفُصَحَاءِ مَا يَدْفَعُ تَوَقُّفَ ابْنِ هِشَامٍ فِي كَوْنِهِ عَرَبِيًّا مَحْضًا، وَنَقَلَ السُّيُوطِيُّ هُنَا كَلَامَهُ بِرُمَّتِهِ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) كَانَ أَيْضًا يَمْشِي أَمَامَهَا، وَكَانَ مِنْ أَتْبَعِ النَّاسِ لِلسُّنَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute