للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَحُمِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ (لِتَدْعُوَ لَهُ) بِحَضْرَتِهِ ; لِأَنَّ مُشَاهَدَتَهُ تَدْعُو إِلَى الْإِشْفَاقِ وَالِاجْتِهَادِ لَهُ، وَلِذَا يُسْعَى إِلَى الْجَنَائِزِ وَلَا يُكْتَفَى بِالدُّعَاءِ فِي الْمَنْزِلِ، وَكَانَ أَزْوَاجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجْنَ مَعَ النَّاسِ إِلَى جَنَازَةٍ، ثُمَّ الدُّعَاءُ يَحْتَمِلُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءَ خَاصَّةً، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. (فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ عَلَيْهَا) وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدٌ أَمَرَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُرُّوا بِجَنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ فَفَعَلُوا فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ، أُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَانَ إِلَى الْمَقَاعِدِ، فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: مَا كَانَتِ الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الْمَسْجِدُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى أَنْ يَعِيبُوا مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، عَابُوا عَلَيْنَا أَنْ يُمَرَّ بِجَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ) قَالَ مَالِكٌ: أَيْ مَا أَسْرَعَ مَا نَسُوا السُّنَّةَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَيْ مَا أَسْرَعَهُمْ إِلَى الطَّعْنِ وَالْعَيْبِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ إِلَى إِنْكَارِ مَا لَا يَعْلَمُونَ. وَرُوِيَ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ (مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ) بِضَمِّ السِّينِ، مُصَغَّرٌ (ابْنِ بَيْضَاءَ) هِيَ أُمُّهُ، وَاسْمُهَا دَعْدٌ، وَبَيْضَاءُ وَصْفٌ لَهَا ; لِأَنَّهَا كَانَتْ بَيْضَاءَ، وَأَبُوهُ وَهْبُ بْنُ رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ الْفِهْرِيُّ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَاخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ بَدْرًا، فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ عُقْبَةَ شَهِدَهَا، وَأَنْكَرَهُ الْكَلْبِيُّ وَقَالَ: إِنَّهُ الَّذِي أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فَشَهِدَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَدَّهُ الْوَاقِدِيُّ وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخُوهُ سَهْلٌ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ مَا لِلْطَبَرَانِيِّ قَالَ: " «قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: لَا يُفْلِتُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبِ عُنُقٍ» ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ: إِلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ، وَقَدْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ فَقَالَ: إِلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ، قَالَهُ فِي الْإِصَابَةِ.

(إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: إِلَّا فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ، وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بِسَنَدِهِ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ، وَعِنْدَ ابْنِ مَنْدَهْ سَهْلٌ بِالتَّكْبِيرِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الِاسْتِيعَابِ، وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ سَهْلًا الْمُكَبَّرَ مَاتَ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: اسْمُ أَخِي سُهَيْلٍ صَفْوَانُ، وَوَهِمَ مَنْ سَمَّاهُ سَهْلًا، كَذَا قَالَ، وَلَمْ يَزِدْ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ عَلَى ذِكْرِ سُهَيْلٍ قَالَهُ فِي الْإِصَابَةِ مُلَخَّصًا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ عَنْ مَالِكٍ، وَكَرِهَهُ فِي الْمَشْهُورِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ مِنْهُمْ فَلِخَشْيَةِ التَّلْوِيثِ، وَحَمَلُوا الصَّلَاةَ عَلَى سُهَيْلٍ بِأَنَّهُ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلُّونَ دَاخِلَهُ، وَذَلِكَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ عَائِشَةَ اسْتَدَلَّتْ بِهِ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهَا أَمْرَهَا بِمُرُورِ جَنَازَةِ سَعْدٍ عَلَى حُجْرَتِهَا لِتُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْعَمَلَ اسْتَقَرَّ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمُنْكِرِينَ عَلَى عَائِشَةَ كَانُوا صَحَابَةً، وَرُدَّ بِأَنَّهَا لَمَّا أَنْكَرَتْ عَلَيْهِمْ سَلَّمُوا لَهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا حَفِظَتْ مَا نَسُوهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ تَرَ عَائِشَةُ ذَلِكَ بِنَكِيرٍ وَرَأَتِ الْحُجَّةَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ إِنْكَارَهُ جَهْلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>