عَنْهُ وَفِيهِ تَكْنِيَةُ الرَّئِيسِ لِمَنْ دُونَهُ وَلَمْ يَسْتَكْبِرْ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الْخُلَفَاءِ إِلَّا مَنْ حُرِمَ التَّقْوَى (فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ) وَفِيهِ إِبَاحَةُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَرِيضِ بِالصِّيَاحِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ حُضُورِ وَفَاتِهِ (فَجَعَلَ جَابِرٌ يُسَكِّتُهُنَّ) ; لِأَنَّهُ سَمِعَ النَّهْيَ عَنِ الْبُكَاءِ فَحَمَلَهُ عَلَى عُمُومِهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُنَّ) يَبْكِينَ حَتَّى يَمُوتَ (فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ) أَيْ لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالْبُكَاءِ، أَمَّا دَمْعُ الْعَيْنِ وَحُزْنُ الْقَلْبِ فَالسُّنَّةُ ثَابِتَةٌ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ «بَكَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ابْنَةِ زَيْنَبَ ابْنَتِهِ، وَقَالَ: هِيَ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ» ، «وَمَرَّ بِجَنَازَةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا فَانْتَهَرَهُنَّ عُمَرُ فَقَالَ: دَعْهُنَّ فَإِنَّ النَّفْسَ مُصَابَةٌ وَالْعَيْنَ دَامِعَةٌ وَالْعَهْدَ قَرِيبٌ» ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.
(قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوُجُوبُ؟) الَّذِي أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ فَإِذَا وَجَبَ (قَالَ: إِذَا مَاتَ) فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ، قَالَ الْبَاجِيُّ: أَشَارَ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، إِلَى بُكَاءٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنَ الصِّيَاحِ وَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا أَوْ يَرْحَمُ» " وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ (فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا فَإِنَّكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ) أَيْ أَتْمَمْتَ (جَهَازَكَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا، مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سَفَرِكَ لِلْغَزْوِ وَالْخِطَابُ لِأَبِيهَا، قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْجَهَازُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتُكْسَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ، وَهُوَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي السَّفَرِ، وَقَالَ فِي النُّورِ: بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا بَلْ لَحَنَ مَنْ فَتَحَ، وَالَّذِي فِي الصِّحَاحِ: وَأَمَّا جَهَازُ الْعَرُوسِ وَالسَّفَرِ فَيُفْتَحُ وَيُكْسَرُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ) أَيْ عَلَى مِقْدَارِ الْعَمَلِ الَّذِي نَوَاهُ كَمَا نَوَاهُ، فَالنِّيَّةُ بِمَعْنَى الْمَنْوِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ لِنِيَّتِهِ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّ مَا نَوَاهُ لَمْ يَفُتْهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ إِلَّا بِقَدْرِ النِّيَّةِ لَمَا كَانَ لِابْنَتِهِ فِي ذَلِكَ رَاحَةٌ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ أَنَّ الْمُتَجَهِّزَ لِلْغَزْوِ إِذَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ الْغَزْوِ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، وَالْآثَارُ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ صِحَاحٌ، مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَبُوكَ: " «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ قَوْمًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» "، انْتَهَى.
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ» " أَيْ أُعْطِيَ ثَوَابَهَا وَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ: " «مَنْ سَأَلَ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَادِقًا ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute