للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي يُعَدِّدُونَ بِهَا عَلَيْهِ غَالِبًا مِنَ الْأُمُورِ الْمَنْهِيَّةِ، فَهُمْ يَمْدَحُونَهُ بِهَا وَهُوَ يُعَذَّبُ بِصُنْعِهِ عَيْنَ مَا مَدَحُوهُ بِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى التَّعْذِيبِ تَوْبِيخُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ بِمَا يَنْدُبُهُ أَهْلُهُ بِهِ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: " «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ إِذَا قَالَتِ النَّائِحَةُ: وَاعَضُدَاهُ، وَانَاصِرَاهُ، وَاكَاسِبَاهُ، جُبِذَ الْمَيِّتُ وَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ عَضُدُهَا، أَنْتَ نَاصِرُهَا، أَنْتَ كَاسِبُهَا» ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِنَحْوِهِ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: " أُغْمِيَ عَلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ تَبْكِي وَتَقُولُ: وَاجَبَلَاهُ وَاكَذَا وَاكَذَا، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ، مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلَّا قِيلَ لِي أَنْتَ كَذَلِكَ " وَقِيلَ: مَعْنَى التَّعْذِيبِ تَأَلُّمُ الْمَيِّتِ بِمَا يَقَعُ مِنْ أَهْلِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ وَغَيْرِهَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُرَابِطِ وَعِيَاضٌ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ، وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِحَدِيثِ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ: " «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَلَدْتُهُ فَقَاتَلَ مَعَكَ، ثُمَّ أَصَابَتْهُ الْحُمَّى فَمَاتَ، وَنَزَلَ عَلَيَّ الْبُكَاءُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَغْلِبُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَصْحَبَ صُوَيْحِبَهُ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا فَإِذَا مَاتَ اسْتَرْجَعَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَبْكِي فَيَسْتَعْبِرُ إِلَيْهِ صُوَيْحِبُهُ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ لَا تُعَذِّبُوا مَوْتَاكُمْ» ". الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ الْمُرَابِطِ: هَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ رَشِيدٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّ الْمُرَادَ صُوَيْحِبُهُ الْمَيِّتُ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَاحِبُهُ الْحَيُّ، وَأَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ حِينَئِذٍ بِبُكَاءِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بِتَنْزِيلِ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَمَنْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُ النَّوْحُ فَمَشَى أَهْلُهُ عَلَيْهَا فَأَوْصَاهُمْ بِذَلِكَ عُذِّبَ بِصُنْعِهِ، وَمَنْ كَانَ ظَالِمًا فَنُدِبَ بِأَفْعَالِهِ الْجَائِزَةِ عُذِّبَ بِمَا نُدِبَ بِهِ، وَمَنْ عَلِمَ مِنْ أَهْلِهِ النِّيَاحَةَ وَأَهْمَلَ نَهْيَهُمْ عَنْهَا رَاضِيًا بِذَلِكَ الْتَحَقَ بِالْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَاضٍ عُذِّبَ بِالنَّوْحِ ; لِأَنَّهُ أَهْمَلَ النَّهْيَ، وَمَنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحْتَاطَ فَنَهَاهُمْ ثُمَّ خَالَفُوهُ، فَعَذَابُهُ تَأَلُّمُهُ بِمَا يَرَاهُ مِنْهُمْ مَنْ مُخَالَفَةٍ وَإِقْدَامِهِمْ عَلَى مَعْصِيَةِ رَبِّهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ، لَكِنِ اخْتَصَرَهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آخِرِهِ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ تَامًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>