عَائِشَةُ: إِنَّمَا هَذَا مِصْبَاحٌ فَقَالَ: كُلُّ مَا سَاءَ الْمُؤْمِنَ فَهُوَ مُصِيبَةٌ» ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَمْ يَرِدْ لَفْظُ الْأَمْرِ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي الْقُرْآنِ بَلْ تَبْشِيرُ مَنْ قَالَهُ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ إِلَى غَيْرِ الْقُرْآنِ، فَهُوَ خَبَرٌ عَنِ الْبَارِي بِذَلِكَ وَلِذَا وَصَلَهُ بِقَوْلِهِ: (اللَّهُمَّ أْجُرْنِي) بِقَصْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، قَالَ عِيَاضٌ: يُقَالُ أَجَرَ بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ مَقْصُورٌ لَا يُمَدُّ أَيْ أَعْطِنِي أَجْرِي وَجَزَاءَ صَبْرِي وَهَمِّي (فِي مُصِيبَتِي وَأَعْقِبْنِي) بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ، بِمَعْنَى - رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ - وَأَخْلِفْ لِي بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ (خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ) وَلِمُسْلِمٍ: إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا. وَلَهُ أَيْضًا إِلَّا آجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ أَنْ يَفْزَعَ إِلَى ذَلِكَ تَأَسِّيًا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَسْتَوْجِبَ عَلَى اللَّهِ ثَلَاثَ خِصَالٍ، كُلُّ خَصْلَةٍ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ وَالْهُدَى، انْتَهَى. وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: " «أُعْطِيَتْ أُمَّتِي شَيْئًا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ: أَنْ يَقُولُوا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) » ". وَلِابْنِ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: " لَقَدْ أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ مَا لَمْ يُعْطَ الْأَنْبِيَاءُ مِثْلَهُ: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) ، وَلَوْ أُعْطِيَهُ الْأَنْبِيَاءُ لَأُعْطِيَهُ يَعْقُوبُ ; إِذْ قَالَ: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: ٨٤] ".
وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ قَوْلُ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَوْرًا، وَذَلِكَ فِي الْمَوْتِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى، وَخَبَرُ: إِذَا ذَكَرَهَا وَلَوْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ عَامًا فَاسْتَرْجَعَ كَانَ لَهُ أَجْرُهَا يَوْمَ وُقُوعِهَا زِيَادَةُ فَضْلٍ لَا يُنَافِي الِاسْتِحْبَابَ بِفَوْرِ وُقُوعِ الْمُصِيبَةِ.
(قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ، أَخُو النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَضَاعِ ثُوَيْبَةَ، وَابْنُ عَمَّتِهِ بُرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، كَانَ مِنَ السَّابِقِينَ، شَهِدَ بَدْرًا، وَمَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ أُحُدٍ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " «دَخَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ، وَقَالَ: إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ» " (قُلْتُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ مِنْ الِاسْتِرْجَاعِ وَمَا بَعْدَهُ (ثُمَّ قُلْتُ: وَمَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ) أَيْ قَالَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَلَمْ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهَا وَلَا أَنْكَرَتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَقًّا، وَلَكِنْ هُوَ شَيْءٌ يَخْطُرُ بِالْقَلْبِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مَعْصُومًا مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ قَائِلٌ لَمُنِعَ الْعِوَضَ كَمَا يُمْنَعُ الَّذِي يَعْجَلُ بِدُعَائِهِ الْإِجَابَةَ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ. وَفِي مُسْلِمٍ: فَلَمَّا مَاتَ قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَبِّيُّ: الْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute