يَقِفَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَسَبَقَتْهُ بِرَيْرَةُ فَأَخْبَرَتْنِي) بِمَا فَعَلَ (فَلَمْ أَذْكُرْ لَهُ شَيْئًا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ لِأُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الصَّلَاةَ هُنَا الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَأَنْ تَكُونَ كَالصَّلَاةِ عَلَى الْمَوْتَى خُصُوصِيَّةً لَهُ ; لِأَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ رَحْمَةٌ، فَكَأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ مَرَّتَيْنِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ مَنْ صُلِّيَ إِلَّا بِحِدْثَانِ ذَلِكَ، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، قَالَ: وَأَمَّا بَعْثُهُ وَمَسِيرُهُ إِلَيْهِمْ فَلَا يُدْرَى لِمِثْلِ هَذَا عِلَّةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِيُعْلِمَهُمْ بِالصَّلَاةِ مِنْهُ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا دُفِنَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ كَالْمِسْكِينَةِ، وَمِثْلُهَا مَنْ دُفِنَ لَيْلًا وَلَمْ يُشْعَرْ بِهِ لِيَكُونَ مُسَاوِيًا بَيْنَهُمْ فِي صَلَاتِهِ عَلَيْهِمْ وَلَا يُؤْثِرُ بَعْضَهُمْ بِذَلِكَ لِيَتِمَّ عَدْلُهُ، وَجَاءَ حَدِيثٌ حَسَنٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ حِينَ خُيِّرَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي مُوَيْهَةَ مَرْفُوعًا: " «إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهَةَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَيَّرَنِي فِي مَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدِ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةِ وَلِقَاءِ رَبِّي فَاخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي، فَأَصْبَحَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَبَدَأَهُ وَجَعُهُ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ". وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَالْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute