للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمُشَيِّعِ لِئَلَّا يُنَافِيَ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّظَافَةِ، وَإِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنْ لَا يُبَطَّأَ بِالْمَيِّتِ عَنِ الدَّفْنِ، وَلِأَنَّ الْبُطْءَ رُبَّمَا أَدَّى إِلَى التَّبَاهِي وَالِاحْتِفَالِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَتَأَوَّلَهُ قَوْمٌ عَلَى تَعْجِيلِ الدَّفْنِ لَا الْمَشْيِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا، وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ: تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ، وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: إِنَّهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِهَذَا، وَتَعَقَّبَهُ الْفَاكِهَانِيُّ: بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الرِّقَابِ قَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْمَعَانِي كَمَا يَقُولُ: حَمَلَ فُلَانٌ عَلَى رَقَبَتِهِ دُيُونًا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى اسْتَرِيحُوا مِنْ نَظَرِ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْكُلَّ لَا يَحْمِلُونَهُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ» ". أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحٍ مَرْفُوعًا: " «لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تَبْقَى بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ» ". (فَإِنَّمَا هُوَ خَيْرٌ تُقَدِّمُونَهُ) كَذَا فِي الْأُصُولِ، وَالْقِيَاسُ: تُقَدِّمُونَهَا، أَيِ الْجَنَائِزَ (إِلَيْهِ) أَيِ الْخَيْرِ بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ وَالْإِكْرَامِ لَهُ فِي قَبْرِهِ فَيُسْرِعُ بِهِ لِيَلْقَاهُ قَرِيبًا. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَرُوِيَ " إِلَيْهَا " بِتَأْنِيثِ الضَّمِيرِ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَيْرِ بِالرَّحْمَةِ أَوِ الْحُسْنَى (أَوْ شَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ) فَلَا مَصْلَحَةَ لَكُمْ فِي مُصَاحَبَتِهِ ; لِأَنَّهَا بَعِيدَةٌ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَرْكُ صُحْبَةِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ وَغَيْرِ الصَّالِحِينَ، وَفِيهِ نَدْبُ الْمُبَادَرَةِ بِدَفْنِ الْمَيِّتِ لَكِنْ بَعْدَ تَحَقُّقِ أَنَّهُ مَاتَ، أَمَّا مَثَلُ الْمَطْعُونِ وَالْمَسْبُوتِ وَالْمَفْلُوجِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْرِعَ بِتَجْهِيزِهِمْ حَتَّى يَمْضِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِيَتَحَقَّقَ مَوْتُهُمْ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ بَزِيزَةَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>