هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» ". وَعَنْ عَائِشَةَ نَحْوَ هَذَا. وَحَدِيثُ الْمُوَطَّأِ بِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ أَثْبَتُ إِسْنَادًا، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَسْمَعَ عَائِشَةُ مِثْلَ هَذَا الْوَعِيدِ وَتُخَالِفُهُ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهَا عُلِمَ أَنَّهَا عَلِمَتِ النَّسْخَ، وَالْأَصْلُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ إِنَّمَا هُوَ الْأَمْوَالُ النَّامِيَةُ أَوِ الْمَطْلُوبُ فِيهَا النَّمَاءُ بِالتَّصَرُّفِ.
(قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ تِبْرٌ أَوْ حُلِيٌّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَهُوَ نِصَابٌ) وَهُوَ نِصَابٌ (لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِلُبْسٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عَامٍ يُوزَنُ فَيُؤْخَذُ رُبُعُ عُشْرِهِ إِلَّا أَنْ يَنْقُصَ مِنْ وَزْنِ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا) أَيْ ذَهَبًا خَالِصًا (أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ) وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ وَزْنَهُ كُلَّ عَامٍ إِذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ أَوْ نَسِيَ وَزْنَهُ، أَمَّا إِذَا خَرَجَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَنْسَ وَزْنَهُ فَيَكْفِي عِلْمُ وَزْنِهِ أَوَّلَ عَامٍ (وَإِنَّمَا تَكُونُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا كَانَ إِنَّمَا يُمْسِكُهُ لِغَيْرِ اللُّبْسِ) كَإِعْدَادِهِ لِعَاقِبَةٍ أَوْ قِنْيَةٍ (فَأَمَّا التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ الْمَكْسُورُ الَّذِي يُرِيدُ أَهْلُهُ إِصْلَاحَهُ وَلُبْسَهُ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِهِ فَلَيْسَ عَلَى أَهْلِهِ فِيهِ زَكَاةٌ) وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ فَأَوْجَبَ فِيهِ الزَّكَاةَ (قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي اللُّؤْلُؤِ) وَهُوَ مَطَرُ الرَّبِيعِ يَقَعُ فِي الصَّدَفِ (وَلَا فِي الْمِسْكِ) الطَّيِّبِ الْمَعْرُوفِ. وَفِي مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: " «أَطْيَبُ الطِّيبِ الْمِسْكُ» ". (وَلَا الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ) لِأَنَّهَا كَسَائِرِ الْعُرُوضِ لَا زَكَاةَ فِي أَعْيَانِهَا اتِّفَاقًا. وَاخْتُلِفَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ حِينَ يَخْرُجَانِ مِنَ الْبَحْرِ، فَالْجُمْهُورُ لَا شَيْءَ فِيهِمَا خِلَافًا لِقَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيهِ الْخُمُسُ، وَرَدَّهُ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا جَعَلَ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ لَيْسَ فِي الَّذِي يُصَابُ فِي الْمَاءِ، أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لُغَةً رِكَازًا، قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ غَيْرَ الرِّكَازِ لَا خُمُسَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْعَنْبَرُ ; لِأَنَّهُمَا يَتَوَلَّدَانِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ فَأَشْبَهَا السَّمَكَ، وَبِهَذَا يُرَدُّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: فِي الْعَنْبَرِ وَكُلِّ حِلْيَةٍ تَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ الْخُمُسُ، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: " سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْعَنْبَرِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَفِيهِ الْخُمُسُ " وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَيْسَ الْعَنْبَرُ بِرِكَازٍ، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ " وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ يَشُكُّ فِيهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ مَا جَزَمَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَمَرَ اللَّهُ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَقَالَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ ١٠٣) فَأَخَذَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَعْضِ الْأَمْوَالِ دُونَ بَعْضٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ فَلَا سَبِيلَ إِلَى إِيجَابِ زَكَاةٍ إِلَّا مَا أَخَذَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَقَفَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute