زَنَمَتَيِ الْعَنْزِ. وَقِيلَ: لَحْمَتَانِ عَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الْقَرْنَيْنِ. وَقِيلَ: نَابَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ فِيهِ (يَطْلُبُهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ) وَلِلْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ: «فَلَا يَزَالُ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُلْقِمَهُ أُصْبُعَهُ (يَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ) » وَلِلْبُخَارِيِّ: «أَقْرَعُ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلَهْزَمَتَيْهِ» يَعْنِي شِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ: «أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [آل عمران: ١٨٠] » (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ ١٨٠) الْآيَةَ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْقَوْلِ زِيَادَةُ الْحَسْرَةِ فِي الْعَذَابِ حَتَّى لَا يَنْفَعَهُ النَّدَمُ، وَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ التَّهَكُّمِ. وَلِابْنِ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ يَتْبَعُهُ فَيَقُولُ: " «أَنَا كَنْزُكَ الَّذِي تَرَكْتَهُ بَعْدَكَ، فَلَا يَزَالُ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُلْقِمَهُ يَدَهُ فَيَمْضُغُهَا، ثُمَّ يَتْبَعُهُ سَائِرُ جَسَدِهِ» ". وَلِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: " يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيْثُ ذَهَبَ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ، فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ ". وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ يُصَيِّرُ نَفْسَ الْمَالِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مُثِّلَ كَمَا هُنَا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ صُوِّرَ أَوْ نُصِبَ وَأُقِيمَ مِنْ قَوْلِهِمْ مُثِّلَ قَائِمًا أَيْ مُنْتَصِبًا أَوْ ضَمِنَ مِثْلَ مَعْنَى التَّصْيِيرِ أَيْ صَيَّرَ مَالَهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ هَذَا الشُّجَاعَ لِعَذَابِهِ، وَمَعْنَى مُثِّلَ نُصِبَ كَقَوْلِهِ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ قِيَامًا» أَيْ يَنْتَصِبُونَ. وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ صُوِّرَ مَالُهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ كَقَوْلِهِ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا الْمُمَثِّلُونَ أَيِ الْمُصَوِّرُونَ» . وَيَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةُ: " «إِلَّا جَاءَ كَنْزُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا» ". ثُمَّ لَا تَنَافِي بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: " «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جَبْهَتُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ» " لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ لَهُ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا. فَحَدِيثُ الْبَابِ يُوَافِقُ الْآيَةَ وَهِيَ: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٨٠] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ ١٨٠) وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ تُوَافِقُ الْآيَةَ: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: ٣٥] (سُورَةُ التَّوْبَةِ: الْآيَةُ ٣٥) لِأَنَّهُ جَمَعَ الْمَالَ وَلَمْ يَصْرِفْهُ فِي حَقِّهِ لِتَحْصِيلِ الْجَاهِ وَالتَّنَعُّمِ بِالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَعْرَضَ عَنِ الْفَقِيرِ وَوَلَّاهُ ظَهْرَهُ، أَوْ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسِيَّةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ الَّتِي هِيَ مُقَدَّمُ الْبَدَنِ وَمُؤَخَّرُهُ وَجَنْبَاهُ، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ.
هَذَا وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّطْوِيقِ فِي الْآيَةِ الْحَقِيقَةُ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مَعْنَاهُ: سَيُطَوَّقُونَ الْإِثْمَ، وَفِي تِلَاوَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْحُمَيْدِيِّ وَالشَّافِعِيِّ، «ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَلَا يَحْسَبَنَّ} [آل عمران: ١٨٠] » (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ ١٨٠) الْآيَةَ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ: ثُمَّ قَرَأَ مِصْدَاقَهُ: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ} [آل عمران: ١٨٠] دَلَالَةً عَلَى أَنَّهَا فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ الَّذِينَ كَتَمُوا صِفَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ: فِيمَنْ لَهُ قُرَابَةٌ لَا يَصِلُهُمْ، قَالَهُ مَسْرُوقٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute