قَوْلِهِمْ مَنْ لَهُ أَرْبَعٌ مِنَ الْإِبِلِ سَائِمَةٌ وَوَاحِدٌ عَامِلٌ، أَوْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ بَقَرَةً رَاعِيَةً وَوَاحِدَةٌ عَامِلَةٌ، أَوْ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ شَاةً رَاعِيَةً وَكَبْشٌ مَعْلُوفٌ فِي دَارِهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، وَلَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِالسَّائِمَةِ ; لِأَنَّهَا عَامَّةُ الْغَنَمِ لَا تَكَادُ تُوجَدُ فِيهَا غَيْرُ سَائِمَةٍ، وَلِذَا ذَكَرَهَا فِي الْغَنَمِ دُونَ الْإِبِلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى السَّائِمَةِ لِيُكَلِّفَ الْمُجْتَهِدَ لِلِاجْتِهَادِ فِي إِلْحَاقِ الْمَعْلُوفَةِ بِهَا فَيَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الْمُجْتَهِدِينَ. (وَلَا يُخْرَجُ) وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَا يُؤْخَذُ (فِي الصَّدَقَةِ تَيْسٌ) وَهُوَ فَحْلُ الْغَنَمِ أَوْ مَخْصُوصٌ بِالْمَعْزِ ; لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِدَرٍّ وَلَا نَسْلٍ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلنَّسْلِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ.
(وَلَا هَرِمَةٌ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، كَبِيرَةٌ سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا (وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا، وَقِيلَ بِالْفَتْحِ أَيْ مَعِيبَةٌ، وَبِالضَّمِّ الْعُوَرُ، وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهَا، فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ مَا ثَبَتَ بِهِ الرَّدُّ فِي الْبَيْعِ، وَقِيلَ: مَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الضَّحِيَّةِ، وَيَدْخُلُ فِي الْمَعِيبِ الْمَرِيضُ وَالصَّغِيرُ سِنًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى سِنٍّ أَكْبَرَ مِنْهُ (إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ) يُرِيدُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْمَسَاكِينِ فَيَأْخُذُ بِاجْتِهَادِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إِنَّ ذَا الْعَيْبِ لَا يُجْزِي وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنَ السَّلِيمَةِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ فَقَرَأَهُ بِخِفَّةِ الصَّادِ وَهُوَ السَّاعِي، وَجَعَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّيْسَ مِنَ الْخِيَارِ ; لِأَنَّهُ يَنْزُو، وَرُدَّ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ مَشِيئَةِ الْمُصَدِّقِ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِالْهَرِمَةِ وَذَاتِ الْعَوَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الشِّرَارِ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ: «وَلَا تُؤْخَذُ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ» ، قَالَ الْحَافِظُ: اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ أَيِ الْمَالِكِ وَتَقْدِيرُهُ: لَا تُؤْخَذُ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَيْبٍ أَصْلًا وَلَا تَيْسٌ إِلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ، فَأَخْذُهُ بِلَا رِضَاهُ إِضْرَارٌ بِهِ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُخْتَصٌّ بِالثَّالِثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَهُوَ السَّاعِي، وَكَأَنَّهُ أُشِيرَ إِلَى التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فَلَا يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَاعِدَتِهِ فِي تَنَاوُلِ الِاسْتِثْنَاءِ جَمِيعَ مَا قَبْلَهُ. وَعَنْ مَالِكٍ: يَلْزَمُ الْمَالِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَاةً مُجْزِيَةً تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ كَالْأَوَّلِ، انْتَهَى.
(وَلَا يُجْمَعُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ (بَيْنَ مُفْتَرِقٍ) بِفَاءٍ فَفَوْقِيَّةٍ فَرَاءٍ خَفِيفَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ مُتَفَرِّقٍ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ وَشَدِّ الرَّاءِ (وَلَا يُفَرَّقُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ مُشَدَّدًا (بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ) وَفِي رِوَايَةٍ: مَخَافَةَ (الصَّدَقَةِ) وَنَصْبُ مَفْعُولٍ لِأَجْلِهِ تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يُفْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ فَيَحْصُلُ الْمُرَادُ بِلَا تَنَازُعٍ، قَالَهُ الدَّمَامِينِيُّ وَيَأْتِي مَعْنَاهُ قَرِيبًا. (وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ) تَثْنِيَةُ خَلِيطٍ بِمَعْنَى مُخَالِطٍ كَنَدِيمٍ وَجَلِيسٍ بِمَعْنَى مُنَادِمٍ وَمُجَالِسٍ (فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ) يَأْتِي تَفْسِيرُهُ (وَفِي الرِّقَةِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَخِفَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute