وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ شَرِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَسَأَلَ الَّذِي سَقَاهُ مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ قَدْ سَمَّاهُ فَإِذَا نَعَمٌ مِنْ نَعَمْ الصَّدَقَةِ وَهُمْ يَسْقُونَ فَحَلَبُوا لِي مِنْ أَلْبَانِهَا فَجَعَلْتُهُ فِي سِقَائِي فَهُوَ هَذَا فَأَدْخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَدَهُ فَاسْتَقَاءَهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ مَنَعَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الْمُسْلِمُونَ أَخْذَهَا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِمْ جِهَادُهُ حَتَّى يَأْخُذُوهَا مِنْهُ
ــ
٦٠٦ - ٦٠٥ - (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: شَرِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَسَأَلَ الَّذِي سَقَاهُ: مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ قَدْ سَمَّاهُ) وَنَسِيَ اسْمَهُ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ غَرَضُهُ بِتَسْمِيَتِهِ (فَإِذَا نَعَمٌ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَهُمْ يَسْقُونَ) النِّعَمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ (فَحَلَبُوا لِي مِنْ أَلْبَانِهَا فَجَعَلْتُهُ فِي سِقَائِي) بِكَسْرِ السِّينِ، وِعَائِي (فَهُوَ هَذَا، فَأَدْخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَدَهُ فَاسْتِقَاءَهُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَحْمَلُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الَّذِي سَقَاهُ لَيْسَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ ; إِذْ لَعَلَّهُ غَنِيٌّ أَوْ مَمْلُوكٌ فَاسْتِقَاءَهُ لِئَلَّا يَنْتَفِعَ بِهِ وَأَصْلُهُ مَحْظُورٌ وَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ قَصْدًا، وَهَذَا نِهَايَةُ الْوَرَعِ، وَلَعَلَّهُ أَعْطَى مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتَهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي حَلَبَ هَذَا اللَّبَنَ مُسْتَحِقًّا لِلصَّدَقَةِ لَمَا حَرُمَ عَلَى عُمَرَ قَصْدُ شُرْبِهِ كَمَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْلُ اللَّحْمِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، وَقَالَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» . وَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ; لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ بِالشُّرْبِ، وَلَا فَائِدَةَ فِي قَذْفِهِ إِلَّا الْمُبَالَغَةُ فِي الْوَرَعِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ ٥) وَسَأَلَ ابْنُ مُزَيْنٍ عِيسَى بْنَ دِينَارٍ: أَيَفْعَلُ ذَلِكَ رَجُلٌ أَصَابَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ مَا أَحْسَنَ ذَلِكَ. (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بِالْمَدِينَةِ (أَنَّ كُلَّ مَنْ مَنَعَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَسْتَطِعِ الْمُسْلِمُونَ أَخْذَهَا) مِنْهُ (كَانَ حَقًّا) وَاجِبًا (عَلَيْهِمْ جِهَادُهُ حَتَّى يَأْخُذُوهَا مِنْهُ) بِقِتَالِهِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ قِتَالُ الصِّدِّيقِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ مُقِرًّا بِهَا فَمُسْلِمٌ، وَإِنْ جَحَدَهَا فَكَافِرٌ إِجْمَاعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute