تَكْرُمَةً فِي الْكِتَابِيِّينَ لِمَوْضِعِ كِتَابِهِمْ، وَلَا خِلَافَ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ وَمِنْ مَجُوسِ هَجَرَ، وَفَعَلَهُ خُلَفَاؤُهُ الْأَرْبَعَةُ، وَاخْتُلِفَ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالنِّيرَانِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تُؤْخَذُ مِنْهُمْ، وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهُمْ: إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْقُرْآنِ وَمِنَ الْمَجُوسِ بِالسُّنَّةِ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ كَظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: ١٥٦] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ ١٥٦) أَيِ: الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ آخَرُونَ: كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَأَوَّلُوا سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُعْلَمُ كِتَابُهُمْ عِلْمَ ظُهُورٍ وَاسْتِفَاضَةٍ، أَمَّا الْمَجُوسُ فَعِلْمُ كِتَابِهِمْ عِلْمُ مَخْصُوصٍ، وَالْآيَةُ أَيْضًا مُحْتَمَلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " كَانَ الْمَجُوسُ أَهْلَ كِتَابٍ يَقْرَؤُونَهُ وَعِلْمٍ يَدْرُسُونَهُ فَشَرِبَ مَلِكُهُمُ الْخَمْرَ فَوَقَعَ عَلَى أُخْتِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا أَهْلَ الطَّمَعِ فَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ: إِنَّ آدَمَ كَانَ يُنْكِحُ أَوْلَادَهُ بَنَاتَهُ فَأَطَاعُوهُ، وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَهُ، فَأَسْرَى عَلَى كِتَابِهِمْ وَعَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ "، وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: " لَمَّا هَزَمَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ فَارِسَ قَالَ عُمَرُ: اجْتَمِعُوا إِنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَنَضَعُ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ وَلَا مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهُمْ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَكِنْ قَالَ: وَقَعَ عَلَى ابْنَتِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَوَضَعَ الْأُخْدُودَ لِمَنْ خَالَفَهُ "، وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَنَّ الصَّحَابِيَّ الْجَلِيلَ قَدْ يَغِيبُ عَنْهُ عِلْمُ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ أَقْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْكَامِهِ وَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَفِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: أَهْلُ الْكِتَابِ؛ اخْتِصَاصَهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِإِلْحَاقِ الْمَجُوسِ بِهِمْ فَرَجَعَ إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute