الْفَجْرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٍ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ» "، قَالَ الْمَازِرِيُّ: قِيلَ: مَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّ الْمُرَادَ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ فِي سَائِرِ الشَّهْرِ فَتَجِبُ بِالْغُرُوبِ، أَوِ الْفِطْرُ الطَّارِئُ بَعْدَهُ فَتَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الِاسْتِدْلَالُ لِهَذَا الْحُكْمِ بِالْحَدِيثِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْفِطْرِ لَا تَدُلُّ عَلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ فَيُطْلَبُ مِنْ أَمْرٍ آخَرَ، (عَلَى النَّاسِ صَاعًا) نُصِبَ تَمْيِيزًا أَوْ مَفْعُولًا ثَانِيًا (مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ) وَلَمْ تَخْتَلِفِ الطُرُقُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَيْنِ إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ نَافِعٍ فَزَادَ فِيهِ: السُّلْتَ وَالزَّبِيبَ، وَقَدْ حَكَمَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ التَّمْيِيزِ بِوَهْمِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيهِ (عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ) أَخَذَ بِظَاهِرِهِ دَاوُدُ وَحْدَهُ فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْعَبْدِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنَ الِاكْتِسَابِ لَهُمَا، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ وَالنَّاسُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ» "، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا عَلَى السَّيِّدِ لِلْعَبْدِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ، إِذْ لَيْسَ لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُ مَالِهِ، وَقَالُوا: إِنَّ " عَلَى " بِمَعْنَى " عَنْ " أَيْ: إِنَّ السَّيِّدَ يُخْرِجُهَا عَنْ عَبْدِهِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: أَوْ عَلَى بَابِهَا لَكِنْ يَحْمِلُهَا السَّيِّدُ عَنْهُ، أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ كَمَا تَقُولُ: يَلْزَمُكَ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ مِنْ دَوَابِّكَ دِرْهَمٌ.
وَقَالَ أَبُو الطِّيِّبِ وَغَيْرُهُ: " عَلَى " بِمَعْنَى " عَنْ " لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُطَالَبُ بِأَدَائِهَا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ شَيْءٍ عَلَى شَخْصٍ مُطَالَبَتُهُ بِهِ بِدَلِيلِ الْفِطْرَةِ الْمُتَحَمَلَةِ عَنْ غَيْرِ مَنْ لَزِمَتْهُ وَالدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: الْعَبْدُ لَيْسَ أَهْلًا لِأَنْ يُكَلَّفَ بِالْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ فَجَعَلَهَا عَلَيْهِ مَجَازٌ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ عَطْفُ الصَّغِيرِ عَلَيْهِ يَعْنِي فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ.
(ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) ظَاهِرُهُ وُجُوبُهَا عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ: تَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا إِلْحَاقًا بِالنَّفَقَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ أُعْسِرَ كُفِّرَتْ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً وَجَبَتْ فِطْرَتُهَا عَلَى السَّيِّدِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَافْتَرَقَا، وَاتَّفَقُوا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُخْرِجُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ مَعَ أَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ مُرْسَلًا نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَزَادَ فِيهِ: مِمَّنْ تَمُونُونَ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَزَادَ فِي إِسْنَادِهِ ذِكْرَ عَلَى؛ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ؛ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ» " (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) دُونَ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا، فَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ عَنْ نَفْسِهِ اتِّفَاقًا، وَلَا عَنْ مُسْتَوْلِدَتِهِ الْمُسْلِمَةِ بِإِجْمَاعٍ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَكِنْ فِيهِ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute