للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّالِثُ: قَوْلُ مُعَاذٍ: آخِرُ مَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي فِي الْغَرْزِ أَنْ قَالَ: " «حَسِّنْ خُلُقُكَ لِلنَّاسِ» ".

وَالرَّابِعُ: إِذَا نَشَأَتْ حَجْرِيَّةٌ ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ عُدَيْقَةٌ. وَالْمُوَطَّأُ مِنْ أَوَائِلِ مَا صُنِّفَ.

قَالَ فِي " مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي ": اعْلَمْ أَنَّ آثَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ تَابِعِيهِمْ مُدَوَّنَةً فِي الْجَوَامِعِ وَلَا مُرَتَّبَةً لِأَمْرَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا: أَنَّهُمْ كَانُوا فِي ابْتِدَاءِ الْحَالِ قَدْ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي " مُسْلِمٍ " خَشْيَةَ أَنْ يَخْتَلِطَ بَعْضُ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ.

وَالثَّانِي: سِعَةُ حِفْظِهِمْ وَسَيَلَانُ أَذْهَانِهِمْ، وَلِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الْكِتَابَةَ، ثُمَّ حَدَثَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ التَّابِعِينَ تَدْوِينُ الْآثَارِ وَتَبْوِيبُ الْأَخْبَارِ لَمَّا انْتَشَرَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَمْصَارِ، وَكَثُرَ الِابْتِدَاعُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَمُنْكِرِي الْأَقْدَارِ، فَأَوَّلُ مَنْ جَمَعَ ذَلِكَ الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَغَيْرُهُمَا، فَصَنَّفُوا كُلَّ بَابٍ عَلَى حِدَةٍ، إِلَى أَنْ قَامَ كِبَارُ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ فِي مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ الثَّانِي فَدَوَّنُوا الْأَحْكَامَ.

فَصَنَّفَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " الْمُوَطَّأَ " وَتَوَخَّى فِيهِ الْقَوِيَّ مِنْ حَدِيثِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَمَزَجَهُ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَفَتَاوَى التَّابِعِينَ.

وَصَنَّفَ ابْنُ جُرَيْجٍ بِمَكَّةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِالْكُوفَةِ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِالْبَصْرَةِ، وَهُشَيْمٌ بِوَاسِطٍ، وَمَعْمَرٌ بِالْيَمَنِ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ بِخُرَاسَانَ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بِالرَّيِّ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ فَلَا يُدْرَى أَيُّهُمْ سَبَقَ، ثُمَّ تَلَاهُمْ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِمْ فِي النَّسْجِ عَلَى مِنْوَالِهِمْ إِلَى أَنْ رَأَى بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَنْ يُفْرَدَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ فَصَنَّفُوا الْمَسَانِيدَ، انْتَهَى.

وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ فِي " الْقُوتِ ": هَذِهِ الْكُتُبُ حَادِثَةٌ بَعْدَ سَنَةِ عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَيُقَالُ أَوَّلُ مَا صُنِّفَ كِتَابُ ابْنِ جُرَيْجٍ بِمَكَّةَ فِي الْآثَارِ وَحُرُوفٍ مِنَ التَّفَاسِيرِ، ثُمَّ كِتَابُ مَعْمَرٍ بِالْيَمَنِ جَمَعَ فِيهِ سُنَنًا مَنْثُورَةً مُبَوَّبَةً، ثُمَّ " الْمُوَطَّأُ " بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ ابْنُ عُيَيْنَةَ " الْجَامِعُ "، وَالتَّفْسِيرُ فِي أَحْرُفٍ مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ وَفِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَ " جَامِعُ " سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ صَنَّفَهُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَقِيلَ: إِنَّهَا صُنِّفَتْ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَةٍ، انْتَهَى.

وَأَفَادَ فِي " الْفَتْحِ " أَنَّ أَوَّلَ مَنْ دَوَّنَ الْحَدِيثَ ابْنُ شِهَابٍ بِأَمْرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، يَعْنِي كَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الْعِلْمَ ابْنُ شِهَابٍ.

وَأَخْرَجَ الْهَرَوِيُّ فِي " ذَمِّ الْكَلَامِ " مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: لَمْ يَكُنِ الصَّحَابَةُ وَلَا التَّابِعُونَ يَكْتُبُونَ الْأَحَادِيثَ إِنَّمَا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا لَفْظًا وَيَأْخُذُونَهَا حِفْظًا إِلَّا كِتَابَ الصَّدَقَاتِ وَالشَّيْءَ الْيَسِيرَ الَّذِي يَقِفُ عَلَيْهِ الْبَاحِثُ بَعْدَ الِاسْتِقْصَاءِ، حَتَّى خِيفَ عَلَيْهِ الدُّرُوسُ، وَأَسْرَعَ فِي الْعُلَمَاءِ الْمَوْتُ، أَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبَا بَكْرٍ الْحَزْمِيَّ فِيمَا كَتَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>