٤ - بَابُ مَا جَاءَ فِي صِيَامِ الَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ
- (مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ) بْنِ حَزْمٍ (الْأَنْصَارِيِّ) قَاضِي الْمَدِينَةِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَيُقَالُ بَعْدَهَا (عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ) مِنَ الثِّقَاتِ (عَنْ عَائِشَةَ) هَكَذَا لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّآتِ كَيَحْيَى عِنْدَ ابْنِ وَضَّاحٍ، وَأَرْسَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى عَنْهُ فَلَمْ يَذْكُرْ عَائِشَةَ (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَنَا أَسْمَعُ) زَادَتْ فِي مُسْلِمٍ: مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ» ) فَهَلْ يَصِحُّ صِيَامِي؟ (فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ» ) فَلَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ، فَأَجَابَهُ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِمَّا لَوْ قَالَ: " «اغْتَسِلْ وَصُمْ» "، لَكِنِ اعْتَقَدَ الرَّجُلُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ، (فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا) وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ( «قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ» ) أَيْ: سَتَرَ وَحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذَّنْبِ، فَلَا يَقَعُ مِنْكَ ذَنْبٌ أَصْلًا لِأَنَّ الْغُفْرَانَ سَتْرٌ، وَهُوَ إِمَّا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالذَّنْبِ وَإِمَّا بَيْنَ الذَّنْبِ وَعُقُوبَتِهِ، فَاللَّائِقُ بِالْأَنْبِيَاءِ الْأَوَّلُ وَبِأُمَمِهِمُ الثَّانِي، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْعِصْمَةِ وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ.
(فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِاعْتِقَادِهِ الْخُصُوصِيَّةَ بِلَا عِلْمٍ مَعَ كَوْنِهِ أَخْبَرَهُ بِفِعْلِهِ جَوَابًا لِسُؤَالِهِ، وَذَلِكَ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: قَوْلُ السَّائِلِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى الْخَوْفِ وَالتَّوَقِّي، لَكِنْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتِكَابَ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ غُفِرَ لَهُ، أَوْ لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ كَمَا وَرَدَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ هَذَا يَمْنَعُ الْأُمَّةَ أَنْ تَقْتَدِيَ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ، وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ فَقَالَ: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: ١٥٨] (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ ١٥٨) أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ، وَلِذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ غَضِبَ لَمَّا مَنَعَ مِنَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute