فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» "، وَهَذَا يُشْعِرُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صِيَامِ الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا تُطْلَقُ فِي مُقَابَلَةِ الْوَاجِبِ، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ أَنَّ حَمْزَةَ قَالَ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي صَاحِبُ ظَهْرٍ أُعَالِجُهُ أُسَافِرُ عَلَيْهِ وَأُكْرِيهِ، وَإِنَّهُ رُبَّمَا صَادَفَنِي هَذَا الشَّهْرُ - يَعْنِي رَمَضَانَ - وَأَنَا أَجِدُ الْقُوَّةَ وَأَجِدُنِي أَنْ أَصُومَ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤَخِّرَهُ فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيَّ؟ فَقَالَ: أَيُّ ذَلِكَ شِئْتَ يَا حَمْزَةُ» "، قَالَ عِيَاضٌ: احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ الْفِطْرُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ فِيهِ: فَحَسَنٌ.
وَقَالَ فِي الصَّوْمِ فَلَا جُنَاحَ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: " هَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ " فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِحَسَنٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْجُنَاحِ أَعَمُّ مِنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافَقِيهِ؛ أَيْ: كَمَالِكٍ: أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ وَسَرْدَهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِمَنْ لَا يَخَافُ مِنْهُ ضَرَرًا، وَلَا تَفْوِيتَ حَقٍّ، بِشَرْطِ فِطْرِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِسَرْدِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ بَلْ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَأَذِنَ لَهُ فِيهِ فِي السَّفَرِ فَفِي الْحَضَرِ أَوْلَى، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُطِيقُ السَّرْدَ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا تَفْوِيتِ حَقٍّ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: أَجِدُ بِي قُوَّةً.
وَأَمَّا إِنْكَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ صَوْمَ الدَّهْرِ فَلِعِلْمِهِ أَنَّهُ سَيَضْعُفُ عَنْهُ، وَقَدْ ضَعُفَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَكَانَ يَقُولُ: لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اهـ.
بَلِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السَّرْدَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ سَوَّغَهُ لِحَمْزَةَ، وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ لَبَيَّنَهُ لِحَمْزَةَ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَمْرٍو خَاصٌّ بِهِ لِعِلْمِهِ بِضَعْفِ حَالِهِ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ ضَعُفَ حَالُهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ مَوْصُولًا، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute